الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلأَرْضُ إِلاَّ مَا شَآءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ }

وكلمة " الخلود " تفيد المكث طويلاً مكوثاً له ابتداء ولا نهاية له وإذا أبِّد فهو تأكيد للخلود. والذين شقوا إنما يدخلون النار بدءاً من لحظة:يَوْمَ يَأْتِ لاَ تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ.. } [هود: 105]. وهو عذاب لا نهاية له بالنسبة للكافرين. وأما عذاب المسلم العاصي على ما ارتكب من آثام فبدايته من لحظة انتهاء الحساب إلى أن تنتهي فترة عذابه المناسبة لمعاصيه ويدخل الجنة من بعد ذلك. ولهذا قال الحق سبحانه: { إِلاَّ مَا شَآءَ رَبُّكَ.. } [هود: 107]. وهكذا ينقص الحق سبحانه الخلود في النار بالنسبة لأنصاف المؤمنين، فالحق سبحانه {.. فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ } [هود: 107] ولا يحكمه أي شيء. وإياكم أن تظنوا أن قدر الله يحكمه فالقدر فِعْلُه، ولا أحد يسأل الله سبحانه عمَّا يفعل لأن ذات الله هي الفاعلة فإن شاء سبحانه أن ينقص خلود مسلم عاصٍ في النار فالنقص يكون في النهاية وبذلك يتحقق أيضاً نقص خلوده في الجنة، لأنه لا يدخلها إلا بعد أن يستوفي عقابه. وبهذا التصور ينتهي الإشكال الذي اختلف حوله مائة وخمسون عالماً فقد ظن بعضهم أن الحق سبحانه يغلق أبواب النار على من أدخلهم إياها، ويستمر ذلك إلى ما لا نهاية، وكذلك من دخل الجنة من البداية سيظل فيها أبداً، ولن يُلحق الله أصحاب الكبائر بالجنة، ومن قال بذلك الرأي إنما يُسوِّي بين من ارتكب الكبيرة وبين الكافر بالله، وهذا أمر غير متصور، وهو بعيد عن رحمة الله. وإذا كان هذا البعض من العلماء قد استدل على رأيه بالآية الكريمة التي جاءت في سورة الجن، والتي يقول فيها الحق سبحانه:إِلاَّ بَلاَغاً مِّنَ ٱللَّهِ وَرِسَالاَتِهِ وَمَن يَعْصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً } [الجن: 23]. فنحن نقول: إن الحق سبحانه يربِّب لطفه للكافر حتى يؤمن، وللعاصي حتى يتوب، وهذا من رحمة الله سبحانه، فتأبيد الخلود في العذاب لم يرد إلا في آيتين، وهذا دليل على عظيم رحمة الله وسِعَة عفوه سبحانه. ولذلك قيل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه رحمة الله للعالمين وكلمة " العالمين " جمع " عالَم " والعالَم هو ما سِوى الله تعالى. ولذلك هناك رحمة للكافر هي عطاء الله له في الدنيا. وهكذا نعلم أن الله سبحانه هو الذي يملك نواميس الكون، ولم يتركها تفعل وحدها، بل يزاول سبحانه سلطانه عليها، وما دام القدر هو فعله سبحانه فهو يغيِّر فيه كما يشاء. فهو سبحانه رب الزمان والمكان والحركة، وما دام هو رب كل شيء فإنه فعال لما يريد، وهنا تخضع أبدية الزمان لمراده ومشيئته. وقول الحق سبحانه: { مَا دَامَتِ ٱلسَّمَٰوَاتُ وَٱلأَرْضُ.

السابقالتالي
2