الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَكَذٰلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ ٱلْقُرَىٰ وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ }

أي: أن الأخذ الذي أخذ به الله القرى الكافرة، إنما هو مثل حي لكل من يكفر. والحق سبحانه يقول:وَٱلْفَجْرِ * وَلَيالٍ عَشْرٍ * وَٱلشَّفْعِ وَٱلْوَتْرِ * وَٱلَّيْلِ إِذَا يَسْرِ * هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِّذِى حِجْرٍ } [الفجر: 1-5]. أي: أن الحق سبحانه يقسم لعل كل صاحب عقلٍ يستوعب ضرورة الإيمان، ويضرب الأمثلة بالقوم الذين جاءهم الأخذ بالعذاب، فيقول سبحانه:أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ ٱلْعِمَادِ * ٱلَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي ٱلْبِلاَدِ * وَثَمُودَ ٱلَّذِينَ جَابُواْ ٱلصَّخْرَ بِٱلْوَادِ * وَفِرْعَوْنَ ذِى ٱلأَوْتَادِ * ٱلَّذِينَ طَغَوْاْ فِي ٱلْبِلاَدِ * فَأَكْثَرُواْ فِيهَا ٱلْفَسَادَ * فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ * إِنَّ رَبَّكَ لَبِٱلْمِرْصَادِ } [الفجر: 6-14]. فهو سبحانه قد أخذ كل هؤلاء أخذ العزيز المقتدر. وقوله سبحانه هنا: { وَكَذٰلِكَ.. } [هود: 102]. أي: مثل الأخذ الذي أخِذَتْ به القرى التي كذَّبت رسلها، فظلمت نفسها. والأخذ هنا عقاب على العمل، بدليل أنه أنجى شعيباً عليه السلام وأخذ قومه بسبب ظلمهم، فالذات الإنسانية بريئة، ولكن الفعل هو الذي يستحق العقاب. ومثال ذلك: نجده في قصة نوح عليه السلام حين قال له الحق سبحانه:إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ.. } [هود: 46]. فالذي وضع ابن نوح في هذا الموضع هو أن عمله غير صالح لذلك فلا يقولن نوح: إنه ابني. فليس الإهلاك بعلَّة الذات والدم والقرابة، بل الإهلاك بعلة العمل، فأنت لا تكره شخصاً يشرب الخمر لذاته، وإنما تكرهه لعمله، ونحن نعلم أن البنوة للأنبياء ليست بنوة الذوات، وإنما بنوة الأعمال. وكذلك نجد الحق سبحانه ينبه إبراهيم عليه السلام ألا يدعو لكل ذريته، فحين كرَّم الحق سبحانه إبراهيم عليه السلام وقال:إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً.. } [البقرة: 124]. جاء الطلب والدعاء من إبراهيم عليه السلام لله تعالى:وَمِن ذُرِّيَّتِي.. } [البقرة: 124]. لأن إبراهيم عليه السلام أراد أن تمتد الإمامة إلى ذريته أيضاً، فجاء الرد من الله سبحانه:.. لاَ يَنَالُ عَهْدِي ٱلظَّالِمِينَ } [البقرة: 124]. وظلت هذه القضية في بؤرة شعور إبراهيم عليه السلام، وعلم تماماً أن البنوَّة للأنبياء ليست بنوة ذوات، بل هي بنوة أعمال. ولذلك نجد دعاء إبراهيم عليه السلام حين نزل بأهله في وادٍ غير ذي زرع، وقال:رَبِّ ٱجْعَلْ هَـٰذَا بَلَداً آمِناً وَٱرْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ ٱلثَّمَرَاتِ.. } [البقرة: 126]. وهنا انتبه إبراهيم عليه السلام وأضاف:مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ.. } [البقرة: 126]. فجاء الرد من الحق سبحانه موضحاً خطأ القياس لأن الرزق عطاء ربوبية يستوي فيه المؤمن والكافر، والطائع والعاصي فلا تخلط بين عطاء الربوبية وعطاء الألوهية لأن عطاء الألوهية تكليف، وعطاء الربوبية رزق، لذلك قال الحق سبحانه:

السابقالتالي
2