الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ ذَلِكَ مِنْ أَنْبَآءِ ٱلْقُرَىٰ نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَآئِمٌ وَحَصِيدٌ }

وقد أهلك الحق سبحانه تلك القرى بالعذاب لأنها كذَّبت أنبياءها. والخطاب موجَّه لرسول الله صلى الله عليه وسلم لتثبيت فؤاده، والحق سبحانه إنما يبيِّن له أن الكافرين لن يكونوا بمنجىً من العذاب كما أخذ الله سبحانه الأمم السابقة الكافرة بالعذاب. وقول الحق سبحانه: { نَقُصُّهُ عَلَيْكَ.. } [هود: 100]. يتطلب أن نفرِّق بين المعنى الشائع عن القصة، والمعنى الحقيقي لها، فبعض الناس يقول: إن القرآن فيه قصص، والقصص عادة تمتلىء بالتوسع، وتوضع فيها أحداث خيالية من أجل الحبكة. ولهؤلاء نقول: أنتم لم تفهموا معنى كلمة " القصة " في اللغة العربية، لأنها تعني - في لغتنا - الالتزام الحرفي بما كان فيها من أحداث، فهي مأخوذة من كلمة: " قصّ الأثر " ، ومن يقص الأثر إنما يتتبع مواقع الأقدام إلى أن يصل إلى الشيء المراد. إذن: فقصص القرآن يتقصى الحقائق ولا يقول غيرها، أما ما اصطُلح عليه في عرف العامة أنه قصص، بما في تلك القصص من خيالات وعناصر مشوقة، فهذا ما يُسمَّى - لغوياً - بالروايات، ولا يُعتبر قصصاً. وقصص الإهلاك للأمم التي كفرت إنما هو عبرة لمن لا يعتبر، والناس تعلم أن ما رواه القرآن من قصص هو واقع تدل عليه آثار الحضارات التي اندثرت، وبقيت منها بقايا أحجار ونقوش على المقابر. ونحن نجد في آثار الحضارات السابقة ما هو قائم من بقايا أعمدة ونقوش، ومنها ما هو مُحطَّم. ولذلك يقول الحق سبحانه في موضع آخر من القرآن:وَإِنَّكُمْ لَّتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُّصْبِحِينَ * وَبِٱلَّيْلِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } [الصافات: 137-138]. أي: أنكم تشاهدون من الآثار ما هو قائم وما هو حطيم. ويقول الحق سبحانه عن تلك القرى: { وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَـٰكِن ظَلَمُوۤاْ أَنفُسَهُمْ... }.