الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَآءَ بَعْدَ ضَرَّآءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ ٱلسَّيِّئَاتُ عَنِّيۤ إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ }

وهنا نجد الضراء هي الموجودة، والنعماء هي التي تطرأ، عكس الحالة الأولى، حيث كانت الرحمة - من خير ويسر - هي الموجودة. فالنزع في الأولى طرأ على رحمة موجودة، والنعماء طرأت على ضرَّاء موجودة. وهناك فرق بين نعماء ونعمة، وضراء وضر فالضر هو الشيء الذي يؤلم النفس، والنعمة هي الشيء الذي تتنعم به النفس. لكن التنعُّم والألم قد يكونان في النفس، ولا ينضح أي منهما على الإنسان، فإن نضح على الإنسان أثر النعمة يقال فيها " نعماء " ، وإن نضح عليه أثر من الضر يقال: " ضراء ". وهنا يقول الحق سبحانه: { وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَآءَ بَعْدَ ضَرَّآءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ ٱلسَّيِّئَاتُ عَنِّيۤ.. } [هود: 10]. ولا يفطن من يقول ذلك إلى المُذْهِب الذي أذهبَ السيئات لأن السيئة لا تذهب وحدها. ولو كان القائل مؤمناً لقال: رفع الله عني السيئات. لكنه غير مؤمن ولذلك يغرق في فرح كاذب وفخر لا أساس له. ويصفه الحق سبحانه وتعالى بقوله: {.. إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ } [هود: 10]. وكأن الفرح بالنعمة أذهله عن المنعم، وعمن نزع منه السيئة. وأما الفخر، فنحن نعلم أن الفخر هو الاعتداد بالمناقب، وقد تجد إنساناً يتفاخر على إنسان آخر بأن يذكر له مناقب وأمجاداً لا يملكها الآخر. ونحن نعلم أن التميز لفرد ما يوجد في المجتمع، ولكن أدب الإيمان يفرض ألا يفخر الإنسان بالتميز. ولذلك نجد النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر ". وفي أحدى المعارك نجده صلى الله عليه وسلم يقول: " أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب ". وقد اضطر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول ذلك لأن الكافرين في تلك المعركة ظنوا أنهم حاصروه هو ومن معه وأنه سوف يهرب، لكنه صلى الله عليه وسلم بشجاعته أعلن: " أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب " وكان أقرب المسلمين إلى مكان الأعداء الكافرين وفي مواجهتهم. ونحن نجد المتصارعين أو المتنافسين، واحدهم يدخل على الآخر بصوت ضخم ليهز ثقة الطرف الآخر بنفسه. والفخور إنسان غائب بحجاب الغفلة عن واهب المناقب التي يتفاخر بها، ولو كان مستحضراً لجلال الواهب لتضاءل أمامه، ولو اتجهت بصيرة المتكبر والفخور إلى الحق سبحانه وتعالى لتضاءل أمامه، ولردَّ كل شيء إلى الواهب. ومثال ذلك في القرآن الكريم هو قول الحق سبحانه على لسان صاحب موسى عليهما السلام:وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي.. } [الكهف: 82]. وهذا سلوك العابد المتواضع. أما حال الفخورين اللاهين عن الحق سبحانه وتعالى، فقد صوره القرآن في قول قارون:إِنَّمَآ أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِندِيۤ.. }

السابقالتالي
2