الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ فَتَكُونَ مِنَ ٱلْخَاسِرِينَ }

وآيات الله سبحانه كما نعرفها متعددة إما آيات كونية وهي الأصل في المعتقد الأول بأن خالقها هو الخالق الأعلى سبحانه، وتُلْفِت هذه الآيات إلى بديع صُنْعه سبحانه، ودقة تكوين خلقه، وشمول قدرتِه. وكذلك يُقصد بالآيات المعجزات المنزلة على الرسل - عليهم السلام - لتظهر صدق كل رسول في البلاغ عن الله تعالى. وآيات القرآن الكريم التي تحمل منهج الله. وهم كانوا يُكذِّبون بكل الآيات. والخطاب في هذه الآية هو خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، وجاء معطوفاً على ما في الآية السابقة، حيث يقول الحق سبحانه:فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّآ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ.. } [يونس: 94]. وكل ما يرد من مثل هذا القول لا يصح أن نفهم منه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم من الممكن أن يشك، أو من المحتمل أن يكون من الذين كذَّبوا بآيات الله - سبحانه وتعالى - ولكن إيراد مثل هذا الأمر، هو إيراد لدفع خواطر البشرية، أيًا كانت تلك الخواطر، فإذا وجدنا الخطاب المراد به رسول الله صلى الله عليه وسلم في التنزيل، فغاية المراد اعتدال موازين الفهم في أمّته تعليماً وتوجيهاً لأن المنهج مُنزّل عليه لتبليغه لأمته فهو شهيد على الأمم. وإذا كانت الآية التي سبقت توضح: إن كنت في شك فاسأل، فهو سبحانه يعطيه السؤال ليستمع منه إلى الجواب، وليُسْمعه لكل الأمة الجواب القائل: أنا لا أشك ولا أسأل، وحسبي ما أنزل الله سبحانه عليَّ. ألم يَرِدْ في القرآن الكريم أن الحق سبحانه وتعالى يقول للملائكة يوم القيامة بمحضر من عبدوا الملائكة، ويشير إلى هؤلاء الذين عبدوا الملائكة ومخاطباً ملائكته... أَهَـٰؤُلاَءِ إِيَّاكُمْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ } [سبأ: 40]. ونحن نعلم أن الملائكة:.. لاَّ يَعْصُونَ ٱللَّهَ مَآ أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } [التحريم: 6]. والحق سبحانه يعلم مسبقاً جواب الملائكة، وهم يقولون:سُبْحَانَكَ أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِمْ.. } [سبأ: 41]. ولكنه سبحانه وتعالى أراد أن يُسْمِع من في الحشر كلهم جواب الملائكة وهم يستنكرون أن يعبدهم أحد من الخَلق، فهؤلاء الخلق إنما عبدوا الجن. إذن: فالسؤال جاء ليبين الرد عليه، مثلما يرد عيسى عليه السلام حين يُعبد من بعض قومه، ويسأله سبحانه عن ذلك:أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ ٱتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـٰهَيْنِ مِن دُونِ ٱللَّهِ.. } [المائدة: 116]. فيأتي الجواب:سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِيۤ أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ.. } [المائدة: 116]. إذن: فالمراد أن يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: أنا لا أشك ولا أسأل. والشك - كما نعلم - معناه: تساوي كفة النفي وكفة الإثبات، فإن رجحت واحدة منهما فهذا ظن، وتكون المرجوحة وَهْماً وافتراء وكذباً. وكلمة " الشك " مأخوذة من مسألة حسية، فنحن نرى الصيادين وهم يصعون كل سمكة بعد اصطيادها في خيط يسمى " المشكاك ".

السابقالتالي
2