الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْنَاهُمْ مِّنَ ٱلطَّيِّبَاتِ فَمَا ٱخْتَلَفُواْ حَتَّىٰ جَآءَهُمُ ٱلْعِلْمُ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ }

وكلمة " تبوأ " تعني إقامة مباءة أي: البيوت التي يكون فيها السكن الخاص، وإذا أطلقت كلمة " مبوأ " فهي تعني الإقليم أو الوطن. والوطن أنت تتحرك فيه وكذلك غيرك، أما البيت فهو للإنسان وأسرته كسكن خاص. أما الثري فقد يكون له جناح خاص في البيت، وقد يخصص الثريُّ في منزله جناحاً لنفسه، وآخر لولده وثالثاً لابنته. أما غالبية الناس فكل أسرة تسكن في " شقة " قد تتكون من غرفة أو اثنتين أو ثلاثة حسب إمكانات الأسرة. إذن: فيوجد فرق بين تبؤُّء البيوت وتبوء المواطن، فتبؤُّء المواطن هو الوطن. وسبق أن قال الحق سبحانه لموسى وهارون عليهما السلام:أَن تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتاً.. } [يونس: 87]. هذا في التبوء الخاص، أما في التبوء العام فهو يحتاج إلى قدرة الحق تعالى، وهو سبحانه يقول هنا: { وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ.. } [يونس: 93]. والحق سبحانه أتاح لهم ذلك في زمن موسى - عليه السلام - وأتاح لهم السكن في مصر والشام، وهو سبحانه القائل:سُبْحَانَ ٱلَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ إِلَىٰ ٱلْمَسْجِدِ ٱلأَقْصَى ٱلَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ.. } [الإسراء: 1]. وما دام الحق سبحانه قد بارك حوله فلا بد أن فيه خيراً كثيراً، ولا بد أن تكون الأرض التي حوله مُبوَّأ صدق. وكلمة " الصدق " تعني جماع الخير والبر " ولذلك نجد الرسول صلى الله عليه وسلم حينما سئل: أيكون المؤمن جباناً؟ قال: " نعم " وحين سئل: أيكون المؤمن بخيلاً؟ قال: " نعم ". وحين سئل أيكون المؤمن كذاباً؟ قال: " لا ". ولذلك فأنت تجد في الإسلام عقوبة على الزنا، وعقوبة تقام على السارق، أما الكذب فهو خصلة لا يقربها المسلم لأن عليه أن يكون صادقاً. وكل خصال الخير هي مُبوَّأ الصدق. ولذلك نجد قول الحق سبحانه:وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ } [الإسراء: 80]. وقول الحق سبحانه:وَبَشِّرِ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ.. } [يونس: 2]. وقول الحق سبحانه:وَٱجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي ٱلآخِرِينَ } [الشعراء: 84]. أي: اجعل لي ذكرى حسنة فلا يقال فلان كان كاذباً، وأما قدم الصدق فهي سوابق الخير التي يسعى إليها ولذلك كان الجزاء على الصدق هو ما يقول عنه الحق سبحانه:فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ } [القمر: 55]. وهو مقعد عند مليك لا يبخل، ولا يجلس في رحابه إلا من يحبه، ولا يضن بخيره على من هم في رحابه. ومقعد الصدق هو جزاء لمن استجاب له ربه فأدخله مدخل صدق، وأخرجه مخرج صدق، وجعل له لسان صدق، وقدم صدق.

السابقالتالي
2 3