الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِمْ مُّوسَىٰ وَهَـٰرُونَ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلإِيْهِ بِآيَـٰتِنَا فَٱسْتَكْبَرُواْ وَكَانُواْ قَوْماً مُّجْرِمِينَ }

وكل من موسى وهارون - عليهما السلام - رسول، وقد أخذ البعث لهما مراحل، والأصل فيها أن الله تعالى قال لموسى - عليه السلام:وَأَنَا ٱخْتَرْتُكَ فَٱسْتَمِعْ لِمَا يُوحَىۤ } [طه: 13]. وقال الحق سبحانه وتعالى لموسى - عليه السلام:ٱذْهَبَآ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ } [طه: 43]. ثم سأل موسى - عليه السلام - ربه سبحانه وتعالى أن يشدَّ عَضُدَه بأخيه، فقال الحق سبحانه وتعالى:قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يٰمُوسَىٰ } [طه: 36]. لأن موسى - عليه السلام - أراد أن يفقه قوله، وقد رجى موسى ربه سبحانه وتعالى بقوله:وَٱحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي * يَفْقَهُواْ قَوْلِي } [طه: 27-28]. وبعد ذلك جاء تكليف هارون بالرسالة مع موسى عليه السلام. وقال الحق سبحانه:ٱذْهَبْ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ } [طه: 24]. فالأصل - إذن - كانت رسالة موسى - عليه السلام - ثم ضم الله سبحانه هارون إلى موسى إجابة لسؤال موسى، والدليل على ذلك أن الآيات كلها المبعوثة في تلك الرسالة كانت بيد موسى، وحين يكون موسى هو الرسول، وينضم إليه هارون، لا بد - إذن - أن يصبح هارون رسولاً. ولذلك نجد القرآن معبِّراً عن هذا:إِنَّا رَسُولاَ رَبِّكَ.. } [طه: 47]. أي: أنهما رسولان من الله. وفي آية أخرى يقول الحق سبحانه:فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولاۤ إِنَّا رَسُولُ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } [الشعراء: 16]. فهما الاثنان مبعوثان في مهمة واحدة، وليس لكل منهما رسالة منفصلة، بل رسالتهما واحدة لم تتعدد، وإن تعدد المرسل فكانا موسى وهارون. ومثال ذلك - ولله المثل الأعلى - حين يوفد ملك أو رئيس وفداً إلى ملك آخر، فيقولون: نحن رسل الملك فلان. وفي رسالة موسى وهارون نجد الأمر البارز في إلقاء الآيات كان لموسى. ولكن هارون له أيضاً أصالة رسالية لذلك قال الحق سبحانه:إِنَّا رَسُولاَ.. } [طه: 47]. ذلك أن فرعون كان متعالياً سَمْجاً رَذْل الخُلُق، فإن تكلم هارون ليشد أزر أخيه، فقد يقول الفرعون: وما دخلك أنت؟ ولكن حين يدخل عليه الاثنان، ويعلنان أنهما رسولان، فإن رد فرعون هارون، فكأنه يرد موسى أيضاً. أقول ذلك حتى نغلق الباب على من يريد أن يتورك القرآن متسائلاً: ما معنى أن يقول القرآن مرة " رسول " ومرة " رسولا "؟ وفي هذا ردٌّ كافٍ على هؤلاء المتورّكين. ويقول الحق سبحانه هنا في الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها: { ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِمْ مُّوسَىٰ وَهَارُونَ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ بِآيَاتِنَا فَٱسْتَكْبَرُواْ.. } [يونس: 75]. والملأ: هم أشراف القوم، ووجوهه وأعيانه والمقرَّبون من صاحب السيادة العليا، ويقال لهم: " ملأ " لأنهم هم الذين يملأون العيون، أي: لا ترى العيون غيرهم.

السابقالتالي
2