الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يٰقَوْمِ إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَّقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ ٱللَّهِ فَعَلَى ٱللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوۤاْ أَمْرَكُمْ وَشُرَكَآءَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ ٱقْضُوۤاْ إِلَيَّ وَلاَ تُنظِرُونَ }

ولقائل أن يقول: ولماذا جاء الله سبحانه هنا بخبر نوح - عليه السلام - ولم يأت بخبر آدم - عليه السلام - أو إدريس - عليه السلام - وهُمَا من الرسل السابقين على نوح عليه السلام؟ ومن هنا جاءت الشبهة في أن آدم لم يكن رسولاً لأن البعض قد ظن أن الرسول يجب أن يحمل رسالته إلى جماعة موجودة من البشر، ولم يفطن هؤلاء البعض إلى أن الرسول إنما يُرْسَل لنفسه أولاً. وإذا كان آدم - عليه السلام - أول الخلق فهو مُرسَل لنفسه، ثم يبلِّغ من سوف يأتي بعده من أبنائه. وقد أعطى الله سبحانه وتعالى التجربة لآدم - عليه السلام - في الجنة، فكان هناك أمر، وكان هناك نهي هووَقُلْنَا يَآءَادَمُ ٱسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ ٱلْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةَ.. } [البقرة: 35]. وحَذَّره من الشيطان، ثم وقع آدم عليه السلام في إغواء الشيطان، وأنزله الله تعالى إلى الأرض واجتباه، وتاب عليه، ومعه تجربته، فإن خالف أمر ربه فسوف يقع عليه العقاب، وحذره من اتباع الشيطان حتى لا يخرج عن طاعة الله تعالى. إذن: فقد أعطاه الحق سبحانه المنهج، وأمره أن يباشر مهمته في الأرض في نفسه أولاً، ثم يبلغه لمن بعده. وكما علَّمه الحق سبحانه الأسماء كلها، علَّم آدم الأسماء لأبنائه فتكلموا: وكما نقل إليهم آدم الأسماء نقل لهم المنهج، وقد علمه الحق سبحانه الأسماء ليعمر الدنيا، وعلَّمه المنهج ليحسن العمل في الدنيا ليصل إلى حسن جزاء الآخرة. واقرأ قول الحق سبحانه وتعالى:وَعَصَىٰ ءَادَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ } [طه: 121]. ويتبعها الحق سبحانه بقوله تعالى:ثُمَّ ٱجْتَبَاهُ.. } [طه: 122]. ومعنى الاجتباء: هو الاصطفاء بالرسالة لنفسه أولاً، ثم لمن بعده بعد ذلك، والحق سبحانه هو القائل:فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى.. } [البقرة: 38]. والهدى: هو المنهج المنزَّل على آدم عليه السلام، والرسالة ليست إلا بلاغ منهج وهدى من الله سبحانه للخلق. وإذا كان الحق سبحانه وتعالى هو القائل:وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولاً } [الإسراء: 15]. فالسابقون لنوح - عليه السلام - هم من أبلغهم آدم عليه السلام، والدليل هو ما جاء من خبر ابني آدم في قول الحق سبحانه:وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ٱبْنَيْ ءَادَمَ بِٱلْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً.. } [المائدة: 27]. وهما قد قدَّما القربان إلى الله تعالى. إذن: فخبر الألوهية موجود عند ابني آدم بدليل قول الحق سبحانه:إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ ٱلآخَرِ قَالَ لأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلْمُتَّقِينَ } [المائدة: 27]. إذن: فهم قد أقروا بوجود الله تعالى، وأيضا عرفوا النهي لأنه في إحدى الآيتين قال:

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7