الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ مَتَاعٌ فِي ٱلدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ ٱلْعَذَابَ ٱلشَّدِيدَ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ }

ويعزُّ - إذن - على قادة الكفر وأئمة الضلال أن يسلبهم الرياسة والسيادة داعٍ جديد إلى الله سبحانه وتعالى، ويخافون أن يأخذ الداعي الجديد لله الأمر منهم جميعاً، لا إلى ذاته، ولكن إلى مراد ربه. ولو كان الداعي إلى الله تعالى يأخذ السلطة الزمنية لذاته لقلنا: ذاتٌ أمام ذاتٍ، ولكنه صلى الله عليه وسلم أوضح أنه يعود - حتى فيما يخصه - إلى الله سبحانه وتعالى. ويكشف لنا الحق سبحانه الكسب القليل الذي يدافعون عنه أنه: { مَتَاعٌ فِي ٱلدُّنْيَا.. } [يونس: 70] لأن كُلاً منهم يحب أن يقنع نفسه، بِحُمْق تقدير المنفعة، وكلمة " الدنيا " لا بد أن منها حقيقة الشيء المنسوبة إليه. والاسماء - كما نعلم - هي سمات مسميات، فحين تقول: إن فلاناً طويل، فأنت تعطيه سمة الطول. وحين تقول: " دنيا " فهي من " الدُّنُوِّ " أو " الدناءة ". وإن اعتبرت الدنو هو طريق موصل إلى القمة، فهذا أمر مقبول لأن الدرجة الأولى في الوصول إلى الأعلى هي الدنو، وتلتزم بمنهج الله تعالى فتصعد عُلوّاً وارتفاعاً إلى الآخرة. إذن: فمن يصف الدنيا بالدناءة على إطلاقها نقول له: لا، بل هي دنيا بشرط أن تأخذها طريقاً إلى الأعلى، ولكن من لا يتخذها كذلك فهو من يجعل مكانته هي الدنيئة، أما من يتخذها طريقاً إلى العلو فهو الذي أفلح باتِّباع منهج الله تعالى. إذن: فالدنيا ليست من الدناءة لأن الدين ليس موضوعه الآخرة، بل موضوعه هو الدنيا، ومنهج الدين يلزمك بـ " افعل " و " لا تفعل " في الدنيا، والآخرة هي دار الجزاء، والجزاء على الشيء ليس عين موضوعه، وأنت تستطيع أن تجعل الدنيا مفيدة لك إنْ جعلتها مزرعة للآخرة. وإياك أن تعمل على أساس أن الدنيا عمرها ملايين السنين لأنه لا يعنيك كعائش في الدنيا إن طال عمرها أم قَصُرَ، بل يعنيك في الدنيا مقدار مُكْثِك فيها، وعمرك فيها مظنون، بل وزمن الدنيا كله مظنون، وهناك من يموت وعمره ستة أشهر، وهناك من يموت وعمره مائة سنة، وكلٌّ يتمتع بقدر ما يعيش، ثم يرجع إلى الله سبحانه وتعالى. وهؤلاء الذين ضَلُّوا وقالوا على الله سبحانه افتراء، هؤلاء لن يفلتوا من الله لأن مرجعهم إليه سبحانه ككل خَلْقه، وهؤلاء المُضِلُّون لم يلتفتوا إلى عاقبة الأمر، ولا إلى من بيده عاقبة الأمر، ولم يرتدعوا. ولكن من نظر إلى عاقبة الأمر وأحسن في الدنيا فمرجعه إلى حسن الثواب والجنة، ومن لم ينظر إلى عاقبة الأمر وافترى على الله - سبحانه وتعالى - الكذب فالمآب والمآل إلى العذاب مصداقاً لقوله تعالى: { ثُمَّ نُذِيقُهُمُ ٱلْعَذَابَ ٱلشَّدِيدَ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ } [يونس: 70].

السابقالتالي
2