الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا وَرَضُواْ بِٱلْحَيٰوةِ ٱلدُّنْيَا وَٱطْمَأَنُّواْ بِهَا وَٱلَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ }

والرجاء هو طلب شيء محبوب متوقع، والتمني طلب شيء محبوب إلا أنه غير ممكن الحدوث، ولكنك تعلن بتمنّيك أنه أمر تحبه، مثل من قال:
ألا ليتَ الشبابَ يعودُ يوماً   فأخبِرَهُ بما فَعَلَ المَشِيبُ
هو بهذا القول يبين أن الشباب أمر محبوب ومرغوب. لكن هل يتأتى هذا؟ طبعاً لا. إذن: التمني هو طلب شيء محبوب لا يمكن أن يقع ومثل قول الشاعر:
ليتَ الكواكبَ تَدْنُو لي فَأْنْظِمَها   عُقُودَ مَدْحٍ فما أرضَى لكُم كَلِمِي
وهذا غير ممكن. أما الرجاء فهو أن تطلب شيئاً محبوباً من الممكن أن يقع. وهنا يقول الحق سبحانه: { إِنَّ ٱلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا } ، فلماذا لا يرجون لقاء الله؟ لأن الذي يرجو لقاء الله هو من أعد نفسه لهذا اللقاء ليستقبل ثواب الله، لكن الذي لم يفعل أشياء تؤهله إلى ثواب الله، وعمل أشياء تؤهله إلى عقاب الله فكيف له أن يرجو لقاء الله؟ إنه لا يرجو ذلك. وعلى سبيل المثال: إن الرجل الذي يستشهد ويقدم نفسه للشهادة، ونفسه هي أعز شيء عنده، إنما يفعل ذلك لوثوقه بأن ما يستقبله بالاستشهاد خير مما يتركه من الحياة. إذن: فالذي يرجو لقاء الله هو الذي يُعدُّ نفسه لهذا اللقاء بأن يتقي الله في أوامره، ويتقي الله في نواهيه ولذلك تمر على الإنسان أحداث شَتّى وهي في مقاييس اليقين بين أمرين اثنين: حسنات وسيئات، وكل واحد يعلم أية حسنات قد فعل، وأية سيئات قد اقترف، ولا يغشُّ أحد نفسه، فإذا ما كان حيّاً فقد يجعله الأمل يكذّب نفسه، ولا يرى إلا ما فات من المغريات. أما إذا جاءته لحظة الغرغرة في الموت، فهو يستعرض كل صفحته. فإن كانت حسنة استبشر وجهه، وإن كانت سيئة اكفهرَّ وجهه، ولذلك يقال: " فلان كانت خاتمته سيئة، وفلان كانت خاتمته متهللة ". وهذا كلام صحيح لأن الروح ساعة أن تُقبض فهي تترك الجسم على ما هو عليه ساعة فراقها، فإن كان ضاحكاً ومستبشراً، فقد رأى بعضاً مما ينتظره من خير. والإنسان وقت الغرغرة لا يكذب على نفسه، فهو ساعة يمرض بمرض فهو يأمل في العافية، فإذا أتى وقت انتهاء الحياة تُعْرَضُ عليه أعماله عَرْضاً سريعاً، فإن كانت الأعمال حسنة تنفرج أساريره لأنه يستشرف ما سوف يلقاه من جزاء. وهذا مثل التلميذ حين يكون مُجِدّاً ومجتهداً ثم يقولون له: هناك من جاء لك بالنتيجة فيجري عليه مطمئناً. وإن كان غير مُجِدٍّ لم يجب، ويخاف من لقاء مَنْ يحمل النتيجة. كذلك الذين يرجون لقاء الله عملوا استعداداً لهذا اللقاء وينتظرون الجزاء من الله، أما من لم يعملوا فهم يخافون من لقاء الله ولا يرجونه وسبب ذلك أنهم لم يعملوا للآخرة { وَرَضُواْ بِٱلْحَياةِ ٱلدُّنْيَا وَٱطْمَأَنُّواْ بِهَا } وكأنهم قد اكتفوا بها ولم يرغبوا في الآخرة.

السابقالتالي
2 3