الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلاۤ إِنَّ لِلَّهِ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰت وَمَنْ فِي ٱلأَرْضِ وَمَا يَتَّبِعُ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ شُرَكَآءَ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ ٱلظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ }

فالحق سبحانه - إذن - لن يَخرج كائنٌ مَنْ كان عن ملكه. وساعة تجد الحق سبحانه يبيِّن الشيء وضده، فهو يأتي بالقانون والإطارللَّهِ ما فِي ٱلسَّمَاواتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ.. } [البقرة: 284]. ومثال ذلك: حين تبع قوم فرعون موسى - عليه السلام - وقومه، قال أصحاب موسى:إِنَّا لَمُدْرَكُونَ } [ الشعراء: 61]. قالوا ذلك لأنهم رأوا البحر أمامهم، فشاء الحق سبحانه أن يبيِّن لهم أن البحر لن يعوق مشيئته سبحانه، ولم ينفلت البحر من قوة الله تعالى لأن لله ما في السماوات وما في الأرض، والبحر منها لذلك انفلق البحر، فكان فِرْقٍ كالطود العظيم. فلا شيء يخرج عن مُلكه سبحانه تعالى ولذلك يأتي الحق سبحانه بالنقيض، فبعد أن جعل الحق سبحانه لهم مسلكاً في البحر، وكل فرْق كالطود العظيم، ويظل البحر مفلوقاً فيدخل قوم فرعون فيه. والحق سبحانه يقول لموسى عليه السلام:وَٱتْرُكِ ٱلْبَحْرَ رَهْواً إِنَّهُمْ جُندٌ مُّغْرَقُونَ } [الدخان: 24]. فيأمر الحق سبحانه البحر أن يعود كما كان فيغرق قوم فرعون بعد أن أنجى الله - سبحانه وتعالى - موسى - عليه السلام - ومن معه، فأهلك وأنجى بالشيء الواحد لأنه سبحانه له ما في السماوات وما في الأرض، وليبيِّن الحق سبحانه لنا أنه لا شيء في كون الله تعالى يقوم مقام عزته سبحانه أبداً. وهناك مثال آخر: حين يقول نوح - عليه السلام - لابنه:يٰبُنَيَّ ٱرْكَبَ مَّعَنَا.. } [هود: 42]. فيردّ الابن قائلاً:سَآوِيۤ إِلَىٰ جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ ٱلْمَآءِ.. } [هود: 43]. وهذا كلام صحيح من ناحية أن الجبل يعلو مستواه عن مستوى المياه، ولكن ابن نوح نسي أن لله تعالى جندياً آخر هو الموج فكان من المغرَقين. صحيح أن ابن نوح فطن إلى أن السفينة سوف تستوي على " الجودي " ، وأن من يركبها لن يغرق، وكذلك من يأوي إلى الجبل العالي، لكنه لم يفطن إلى الموج الذي حال بينه وبين الجبل فكان من المغرقين. إذن: فكل كائن هو مؤتمر بأمر من الله تعالى، وما دامت العزة لله جميعاً فمصداقها أن لله تعالى ما في السماوات وما في الأرض، وليس هناك كائن في الوجود يتأبَّى على أن يكون جندياً من جنود الحق سبحانه، فيكون جندياً للإهلاك، وجندياً للنجاة في نفس الوقت. وقول الحق سبحانه هنا: ألا نعلم منه أن ألا أداة تنبيه للسامع فلا يؤخذ على غرَّة ولا تفوته حكمة من حكم الكلام، وينتبه إلى أن هناك خطاباً عليه أن يجمع عقله كله ليحسن استقبال ما في هذا الخطاب. ويقول الحق سبحانه: { أَلاۤ إِنَّ للَّهِ مَن فِي ٱلسَّمَاوَات وَمَنْ فِي ٱلأَرْضِ.. } [يونس: 66].

السابقالتالي
2 3 4