الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُواْ مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ فِي ٱلسَّمَآءِ وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذٰلِكَ وَلاۤ أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ }

والخطاب هنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، أي: ما تكون يا محمد في شأن. والشأن: هو الحال العظيم المتميز الذي يطرأ على الأمر. ونحن في حياتنا اليومية نقول: ما شأنك اليوم أو ما حالك؟ وهنا يجيب السامع بالشيء الهام الذي حدث له أو فعله، ويتناسى التافه من الأمور. ولذلك يصف الله تعالى نفسه فيقول:كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ } [الرحمن: 29]. أي: لا تظنوا أن ربنا - سبحانه وتعالى - خلق النواميس والقوانين، وقال لها: اعملي أنتِ، لا فهو سبحانه كل يوم في شأن. ولذلك حين سئل أحد العلماء: ما شأن ربك الآن وقد صَحَّ أن القلم قد جَفَّ؟ فقال: " أمور يبديها ولا يبتديها ". أي: أنه سبحانه قد رسم كل شيء، وجعل له زماناً ليظهر، فهو سبحانه قيُّوم، أي: مُبَالغ في القيام على مصالحكم ولذلك يطمئننا سبحانه - وقد جعل الليل لنومنا وراحتنا - بأنه سبحانه قيوم لا تأخذه سِنَةٌ ولا نوم، وهو يراعينا. فالحديث في الآية التي نحن بصددها موجَّه لرسول الله صلى الله عليه وسلم: { وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ.. } [يونس: 61]. وشأن رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يهتم به ليس المأكل ولا المشرب، إنما المهم بالنسبة له هو بلاغ الرسالة بالمنهج بـ " افعل " و " لا تفعل ". { وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُواْ مِنْهُ مِن قُرْآنٍ.. } [يونس: 61]. و " منه " هنا بمعنى اللام، أي: ما تتلو له، وتعني تأبيداً لآيات القرآن. وهناك في موضع آخر من القرآن يقول الحق سبحانه:مِّمَّا خَطِيۤئَاتِهِمْ أُغْرِقُواْ.. } [نوح: 25]. أي: أغرقوا لأجْل خطيئاتهم. وهنا في الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها نفهم ما تكون في شأن وما تتلو لأجل هذا الشأن من قرآن، فالنبي صلى الله عليه وسلم في شأن هام هو الرسالة، ويتلو من القرآن تأبيداً لهذا الشأن وهو البلاغ بالمنهج. ويدخل في هذا الشأن ما فوِّض رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه حسب قول الحق سبحانه:وَمَآ آتَاكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَٱنتَهُواْ.. } [الحشر: 7]. ومثال ذلك: تحديد كيفية الصلاة وعدد ركعات كل صلاة، وكذلك نِصَاب الزكاة، وهذه أمور لم يأت بها القرآن تفصيلاً، ولكن جاءت بها الأحاديث النبوية. إذن: فهناك تفويض من الحق للرسول صلى الله عليه وسلم ليكتمل البلاغ بمنهج الله، بنصوص القرآن، وبتفويض الله تعالى له أن يشرِّع. إذن: فكل شأن رسول الله صلى الله عليه وسلم إما بلاغ عن الله بالنص القرآني، وإما تطبيق فعليّ للنص القرآني بالحديث النبوي، وبالأسوة التي تركها لنا صلى الله عليه وسلم في سُنَّته.

السابقالتالي
2 3 4 5