الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلاۤ إِنَّ للَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ أَلاَ إِنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ }

و " ألا " في اللغة يقال عنها " أداة تنبيه " وهي تنبه السامع أن المتكلم سيقول بعدها كلاماً في غاية الأهمية، والمتكلم - كما نعلم - يملك زمام لسانه، بحكم وضعه كمتكلم، لكن السامع يكون في وضع المُفاجَأ. وقد يتكلم متكلم بما دار في ذهنه ليبرزه على لسانه للمخاطب، ولكن المخاطب يفاجأ، وإلى أن ينتبه قد تفوته كلمة أو اثتنان مما يقوله المتكلم. والله سبحانه وتعالى يريد ألاَّ يفوت السامع لقوله أي كلمة، فأتى بأداة تنبيه تنبه إلى الخبر القادم بعدها، وهو قول الحق سبحانه: { إِنَّ للَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ.. } [يونس: 55]. هكذا شاء الحق سبحانه أن تأتي أداة التنبيه سابقة للقضية الكلية، وهي أنه سبحانه مالك كل شيء، فهو الذي خلق الكون، وخلق الإنسان الخليفة، وسخَّر الكون للإنسان الخليفة، وأمر الأسباب أن تخضع لمسببات عمل العامل فكل من يجتهد ويأتي بالأسباب فهي تعطيه، سواء أكان مؤمناً أو كافراً. وإذا خدمت الأسبابُ الإنسانَ، وكان هذا الإنسان غافلاً عن ربه أو عن الإيمان به، ويظن أن الأسباب قد دانت له بقوته، ويفتن بتلك الأسباب، ويقول مثلما قال قارون:قَالَ إِنَّمَآ أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِندِيۤ.. } [القصص: 78]. فالذي نسي مسبِّب الأسباب، وارتبط بالأسباب مباشرة، فهو ينال العذاب، إن لم يكن في الدنيا ففي الآخرة فكأن الحق سبحانه ينبههم: تَنَّبهوا أيها الجاهلون، وافهموا هذه القضية الكبرى: { إِنَّ للَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ.. } [يونس: 55]. فإياك أيها الإنسان أن تغترَّ بالأسباب، أو أنك بأسبابك أخذت غير ما يريده الله لك، فهو سبحانه الذي أعطاك وقدَّر لك، وكل الأسباب تتفاعل لك بعطاء وتقدير من الله عز وجل. وفي أغيار الكون الدليل على ذلك، ففكرك الذي تخطِّط به قد تصيبه آفة الجنون، والجوارح مثل اليد أو القدم أو اللسان أو العين أو الأذن قد تُصاب أيُّ منها بمرض فلا تعرف كيف تتصرف. وكل ما تأتي فيه الأغيار فهو ليس من ذاتك، وكل ما تملكه موهوب لك من مسبِّب الأسباب. فإياك أن تنظر إلى الأسباب، وتنسى المسبِّب لأن لله ملك الأشياء التي تحوزها والأدوات التي تحوز بها بدليل أنه سبحانه حين يشاء يسلبها منك، فتنبه أيها الغافل، وإياك أن تظن أن الأسباب هي الفاعلة، بدليل أن الله سبحانه وتعالى يخلق الأسباب ثم يشاء ألا تأتي بنتائجها، كمن يضع بذور القطن - مثلاً - ويحرث الأرض، ويرويها في مواعيدها، ثم تأتي دودة القطن لتأكل المحصول. إذن: فمردُّ كل مملوك إلى الله تعالى. واعلمْ أن هناك مِلْكاً، وإن هناك مُلْكاً، والمِلْك هو ما تملكه جلباباً أو بيتاً، أو حماراً، إلى غير ذلك، أما المُلْك فهو أن تملك من له مِلْك، وتسيطر عليه، فالقمة - إذن - في المُلْك.

السابقالتالي
2