الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّيۤ إِنَّهُ لَحَقٌّ وَمَآ أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ }

وهم قد قالوا من قبل:مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلْوَعْدُ.. } [يونس: 48]. وهم هنا قد عادوا للتساؤل. { وَيَسْتَنْبِئُونَكَ } أي: يطلبون منك النبأ. والنبأ هو الخبر المتعلق بشيء عظيم، وهم يطلبون الخبر منك يا رسول الله ويتساءلون: أهو حق؟ وكلمة " حق " هنا لها معطيات كثيرة لأن { هُوَ } يمكن أن تعود على أصل الدين قرآناً ونبوَّة، وتشريعاً، وهي كلمة تحمل التصديق بأن القرآن حق، والتشريع حق، والنبوة لمحمد صلى الله عليه وسلم حق، والقيامة والبعث حق، والكلام عن العذاب في الدنيا بخذلانهم ونصرة المؤمنين عليهم حق. إذن: فقولهم: { وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ.. } [يونس: 53] لها أكثر من مرجع، كأنهم سألوا: هل القرآن الذي جئت به حق؟ وهل النبوة التي تدَّعيها حق؟ وهل الشرائع - التي تقول: إن الله أنزلها كمنهج يحكم حركة الإنسان - حق؟ وهل القيامة والبعث حق؟ وهل العذاب في الدنيا حق؟ إنها كلمة شاملة يمكن أن تؤول إلى أكثر من معنى. ويأتي الجواب من الله تعالى: { قُلْ إِي وَرَبِّيۤ إِنَّهُ لَحَقٌّ.. } [يونس: 53]. وأنت حين يستفهم منك أحد قائلاً: هل زيد موجود؟ فأنت تقول: نعم موجود. ولا تقول له: والله إن زيداً موجود لأنك لن تؤكد الكلام لمن يسألك لأنه لا ينكر وجود زيد. إذن: فأنت لن تؤكد إجابةً ما إلا إذا كان هناك في السؤال شبهة إنكار. إذن: فأنت تستدل من قول الحق سبحانه: { وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ.. } [يونس: 53] على أن سؤالهم يحمل معاني الإنكار والاستهزاء ولذلك جاء الجواب بـ " إي " وهو حرف جواب يعني: " نعم " ، وتأتي " إي " دائماً مع القسم. ولكل حرف من حروف الجواب مقام، فهناك " بلى " وهي تأتي في جواب سؤال منفي، في مثل قوله تعالى:أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَىٰ.. } [الأعراف: 172]. وقول الحق سبحانه هنا: { إِي وَرَبِّيۤ.. } [يونس: 53]. تعني: نعم وأقسم بربي إنه لحق. وأنت لا تُقسم على شيء إلا إذا كان السائل عنده شبهة إنكار، وتأتي بـ " إن " لمزيد من هذا التأكيد. ومثال ذلك في قوله سبحانه:وَٱضْرِبْ لَهُمْ مَّثَلاً أَصْحَابَ ٱلقَرْيَةِ إِذْ جَآءَهَا ٱلْمُرْسَلُونَ * إِذْ أَرْسَلْنَآ إِلَيْهِمُ ٱثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوۤاْ إِنَّآ إِلَيْكُمْ مُّرْسَلُونَ } [يس: 13-14]. وماذا كان رد من بُعث اليهم الثلاثة؟قَالُواْ مَآ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا وَمَآ أَنَزلَ ٱلرَّحْمَـٰنُ مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ } [يس: 15]. هكذا كان إنكار المكذبين للرسل الثلاثة شديداً. فقال لهم الرسل:رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّآ إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ } [يس: 16]. فكان قولهم هذا مناسباً لإنكار الكافرين الشديد. إذن: فالتأكيد في أسلوب المسئول إنما يأتي على مقدار الإنكار، فإن لم يكن هناك إنكار فلا يحتاج الأمر إلى تأكيد.

السابقالتالي
2