الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنتَ تُسْمِعُ ٱلصُّمَّ وَلَوْ كَانُواْ لاَ يَعْقِلُونَ }

وكلمة " مَنْ " تطلق وقد يراد بها المفرد، وقد يراد بها المفردة، وقد يراد بها المثنى، وقد يراد بها الجمع، ومرة يطابق اللفظ فيقول سبحانه:وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ.. } [الأنعام: 25]. ومرة يقصد المعنى فيقول: { وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُونَ.. } [يونس: 42]. لأن { مَّن } صالحة للموقعين. والسماع كما نعلم هو استقبال الأذن للصوت، فإن كان صوتاً مُبْهماً كأصوات الحيوانات أو أصوات الأعواد، فهذه الأصوات لا تفيد إلا ما تفيده النغمة في الجسم من هزة أو ارتجاج. وإما أن يكون الصوت له معنى تواضُعيٌّ، كاللغات المختلفة التي يتخاطب بها الناس في البلدان المختلفة، فإن تكلمتَ بالإنجليزية في بلد يتكلم أهله بهذه اللغة فهموك وفهمت عنهم. هذا هو معنى التواضع في اللغة، أي: أن المتكلم والسامع على درجة. واحدة من الاتفاق على اللغة. والنبي صلى الله عليه وسلم عربي يتحدث بلسان عربي مبين لقوم من العرب، فما العائق عن السمع إذن؟ إن العائق عن السمع نفض الأذن لما يأتي من جهة الخصم، والسماع - كما نعلم - هو استشراف المخاطب إلى ما يفهم من المتكلم، فإن لم يوجد عند المخاطب استشراف إلى أن يسمع، فالكلام يُقال ولا يصل. إذن: لا بد للسامع من حالة الاستشراف إلى فهم ما يقوله المتكلم. وكما يقول المثل: " أذن من طين وأخرى من عجين ". أو كما تقول المزحة أن واحداً مال على أذن صديق له وقال: " أريد أن أقول لك سِرّاً " فاقترب الصديق مستشرفاً سماع السر، فقال الرجل: " أريد مائة جنيه كقرض " فقال الصديق: " كأني لم أسمع هذا السر ". إذن: فالكلام ليس مجرد صوت يصل إلى الأذن، لكن لا بد من استشراف نفسي للتلقي. وهم لا يملكون هذا الاستشراف لذلك قال الحق سبحانه: { أَفَأَنتَ تُسْمِعُ ٱلصُّمَّ.. } [يونس: 42] أي: كان سمعهم لا يسمع. ومثال ذلك: أننا نجد المدرس الذي يشرح الدرس للتلاميذ، وبين التلاميذ من يستشرف السمع ولذلك يفهم الدرس، أما الذي لا يستشرف فكأنه لم يسمع الدرس. وهم قد فاتوا الصُّمَّ لأن الأصم قد يفهم بالحركة أو الإشارة أو لغة العين، ولكن هؤلاء لا يسمعون ولا يعقلون { أَفَأَنتَ تُسْمِعُ ٱلصُّمَّ وَلَوْ كَانُواْ لاَ يَعْقِلُونَ } [يونس: 42]. ويقول الحق سبحانه بعد ذلك: { وَمِنهُمْ مَّن يَنظُرُ إِلَيْكَ... }.