الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ أَمْ يَقُولُونَ ٱفْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وَٱدْعُواْ مَنِ ٱسْتَطَعْتُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ }

وقد سبق هذا المجيء بالتحدي أسبابُ عجزهم عن النجاح في التحدي لأن الآية السابقة تقرر أن الكتب السماوية السابقة تُصَدِّق نزول القرآن الكريم، وبينها وبين القرآن تصديق متبادل. فهم مهزومون فيه قبل أن ينزل. ويقول الحق سبحانه وتعالى: { قُلْ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ.. } [يونس: 38]. وقد جاء التحدي مرة بالكتاب في قول الحق سبحانه:قُل لَّئِنِ ٱجْتَمَعَتِ ٱلإِنْسُ وَٱلْجِنُّ عَلَىٰ أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً } [الإسراء: 88]. ولم يستطيعوا، فنزلت درجة التحدي وطالبهم أن يأتوا:بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ.. } [هود: 13]. فلم يستطيعوا الإتيان بعشر سور، فطالبهم أن يأتوا بسورة تقترب - ولو من بعيد - من أسلوب القرآن، فلم يستطيعوافَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ.. } [البقرة: 23]. فكيف - إذن - من بعد كل ذلك يدَّعون أن محمداً صلى الله عليه وسلم قد افترى القرآن، وهو صلى الله عليه وسلم لم تكن له صلة بالأساليب البلاغية أو الفصاحة؟! لقد دعاكم أن تأتوا بكل الفصحاء والبلغاء ليفتروا، ولو سورة من مثله، ووضع شرطاً فقال: { وَٱدْعُواْ مَنِ ٱسْتَطَعْتُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ.. } [يونس: 38]. لأن الله سبحانه وتعالى هو القادر الوحيد على أن يُنزل قرآناً لذلك دعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدعوا الشركاء وذلك حتى لا يقول الكفار وبعضهم من أهل اللجاجة: سندعوا الله ولذلك يأتي القرآن بالاستنثاء { وَٱدْعُواْ مَنِ ٱسْتَطَعْتُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } [يونس: 38]. وهم بطبيعة الحال غير صادقين في هذا التحدي. والله - سبحانه وتعالى - حين يرسل رسولاً إلى قوم ليعلِّمهم منهجه في حركة الحياة، إنما يريد سبحانه أن تؤدي حركة الحياة إلى الغاية المطلوبة من الإنسان الخليفة في الأرض ولذلك يأتي الرسول من جنس المرسل إليهم ليكون أسوة لهم لأن الرسول إن جاء مَلَكاً لما صحَّت الأسوة، بل لا بد أن يكون بشراً. والحق سبحانه لا يرسل أي رسول إلا ومعه بينة ودليل صدق على أنه رسول يبلِّغ عن الله تعالى. والبينة لا بد أن تكون من جنس نبوغ القوم، فلا يأتي لهم بمعجزة في شيء لم يعرفوه ولم يألفوه حتى لا يقولوا: لو تعلمنا هذا لجئنا بمثل ما جاء. وقد جاء القرآن ليثبت عجزهم عما نبغوا فيه من صناعة الكلام شعراً ونثراً وخطابة. وكان القرآن هو معجزة رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوم فصحاء يعقدون للشعر أسواقاً، ويعلِّقون الفائز من هذا الشعر على جدران الكعبة شهرة له وشهادة به. إذن: فهم أصحاب دراية بصناعة الكلام، وجاءت المعجزة مع الرسول صلى الله عليه وسلم من جنس ما نبغوا فيه لتتحداهم.

السابقالتالي
2