الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱللَّهُ يَدْعُوۤاْ إِلَىٰ دَارِ ٱلسَّلاَمِ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }

ودار السلام: هي الآخرة التي تختلف عن دار الدنيا المليئة بالمتاعب، هذه الدنيا التي تزهو وتتزخرف، وتنتهي إلى حطيم لذلك يدعو الله تعالى إلى دار أخرى، هي دار السلام لأن من المنغِّصات على أهل الدنيا، أن الواحد منهم قد يأخذ حظه جاهاً، ومالاً، وصحة، وعافية، ولكن في ظل أرق من أمرين: الأول هو الخوف من أن يفوته هذا النعيم وهو حي، والثاني أن يفوت هو النعيم. أما الآخرة فالإنسان يحيا فيها في نعيم مقيم ولذلك يقول الله سبحانه: { وَٱللَّهُ يَدْعُوۤاْ إِلَىٰ دَارِ ٱلسَّلاَمِ }. وهذه الآخرة لن يشاغب فيها أحدٌ الآخر، ولن تجد من يأكل عرق غيره مثلما يحدث في الدنيا، وإذا كنا نعيش في الدنيا بأسباب الله، فنحن في الآخرة نعيش بالله سبحانه وتعالى، فكل ما يخطر على بالك تجده. فإذا كانت الأسباب تتنوع في الدنيا وتختلف قدرات الناس فيها مع أخذهم بالأسباب، فإنهم في الآخرة يعيشون مع عطاء الله سبحانه دون جهد أو أسباب لأن دار السلام هي دار الله تعالى، فالله تعالى هو السلام. ولله المثل الأعلى، فأنت إذا دعاك ولي أمرك إلى داره، فهو يُعدّ لدعوتك على قدره هو، وبما يناسب مقامه، فما بالك حين يدعوك خالقك سبحانه وقد اتبعت منهجه. إنه سبحانه هو القائل:إِنَّ أَصْحَابَ ٱلْجَنَّةِ ٱليَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ * هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلاَلٍ عَلَى ٱلأَرَآئِكِ مُتَّكِئُونَ * لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَّا يَدَّعُونَ * سَلاَمٌ قَوْلاً مِّن رَّبٍّ رَّحِيمٍ } [يس: 55-58]. وهذا السلام ليس من البشر لأن من البشر من يعطيك السلام وهو يُكِنُّ لك غير السلام، أو قد يعطيك السلام وهو يريد بك السلام، ولكنه من الأغيار فيتغير فلا يقدر أن يعطيك هذا السلام، لكن إذا ما جاء السلام من الله تعالى، فهو سلام من رب لا يعجزه شيء، ولا يُعوزه شيء، ولا تلحقه أغيار لذلك يقول سبحانه:وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِّن كُلِّ بَابٍ * سَلاَمٌ عَلَيْكُم } [الرعد: 23-24]. والملائكة حين يقولون ذلك إنما أخذوا سلامهم من باطن سلام الله تعالى، وحتى أصحاب الأعراف الذين لم يدخلوا الجنة، ويرون أهل الجنة وأهل النار، هؤلاء يلقون السلام على أهل الجنة. وهكذا يحيا أهل الجنة في سلام شامل ومحيط ومطمئن لأن الداعي هو الله سبحانه، ولا أحد يجبره على أن ينقض سلامه. ودعوة الله سبحانه هي منهجه الذي أرسل به الرسل ليحكم به حركة الحياة حركة إيمانية، يتعايش فيها الناس تعايشاً على وَفْق منهج الله تعالى، بما يجعل هذه الدنيا مثل الجنة، ولكن الذي يرهق الناس في الدنيا أن بعض الناس يعطلون جزئية أو جزئيات من منهج الله سبحانه.

السابقالتالي
2