الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّمَا مَثَلُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا كَمَآءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ فَٱخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ ٱلأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ ٱلنَّاسُ وَٱلأَنْعَامُ حَتَّىٰ إِذَآ أَخَذَتِ ٱلأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَٱزَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَآ أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَآ أَتَاهَآ أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِٱلأَمْسِ كَذٰلِكَ نُفَصِّلُ ٱلآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ }

والماء الذي ينزل من السماء، هو الماء الصالح للري وللسقي لأن المياه الموجودة في الوجود، هي مخازن للحياة، وغالباً ما تكون مالحة، كمياه البحار والمحيطات، وشاء الحق سبحانه ذلك، لحمايتها من العفن والفساد، ثم تتم عملية تقطير المياه بأشعة الشمس التي تحوّل الماء إلى بخار، ويتجمع البخار كسحاب، ثم يسقط ماء عَذْباً مقطراً صالحاً للشرب والرّي. والحق سبحانه يقول هنا: { كَمَآءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ فَٱخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ ٱلأَرْضِ } [يونس: 24]. والاختلاط: اجتماع شيئين أو أشياء على هيئة الانفصال بحيث يمكن أن تعزل هذا عن ذاك، فإن خلطت بعضاً من حبات الفول مع بعض من حبّات الترمس فأنت تستطيع أن تفصل أيا منهما عن الأخرى، ولكن هناك لوناً آخر من جمع الأشياء على هيئة المزج، مثلما تعصر ليمونة على ماء محلّى بالسكر، وهذا ينتج عنه ذوبان كل جزيء من الليمون والسكر في جزيئات الماء. وهنا يقول الحق سبحانه: { كَمَآءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ فَٱخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ ٱلأَرْضِ } وقد يُفهم من ذلك أن الماء والنبات قد اختلطا معاً، لكن النبات ـ كما نعلم ـ ككائن حي مخلوق من الماء مصداقاً لقول الحق سبحانه:وَجَعَلْنَا مِنَ ٱلْمَآءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ.. } [الأنبياء: 30]. وهنا لا بد أن نلتفت إلى الفارق بين " باء " الخلط، و " باء " السببية فالباء هنا في هذه الآية هي باء السببية، وبذلك يكون المعنى: فاختلط بسببه نبات الأرض. وأنت ترى بعد سقوط المطر على الأرض أن المياه تغطي الأرض، ثم تجد بعد ذلك بأيام أو أسابيع، أن سطح الأرض مغطى بالزروع، وكلها مختلطة متشابكة، وكلما تشابكت الزروع مع بعضها فهذا دليل على أن الري موجود والخصوبة في هذه الأرض عالية، وهذا نتيجة تفاعل الماء مع التربة. أما إن كانت الأرض غير خصبة، فأنت تجد نَبْتة في منطقة من الأرض، وأخرى متباعدة عنها، وهذا ما يطلق عليه أهل الريف المصري أثناء زراعة الذرة - على سبيل المثال: " الذرة تفلس " أي: أن كل عود من أعواد الذرة يتباعد عن الآخر نتيجة عدم خصوبة الأرض. إذن: فخصوبة الأرض لها أساس هام في الإنبات والماء موجود لإذابة عناصر الغذاء للنبات، فتنتشر بها جذور النبات. وإن سمحتْ لك الظروف بزيارة المراكز العلمية للزراعة في " طوكيو " أو " كاليفورنيا " فلسوف ترى أنهم يزرعون النباتات على خيوط رفيعة تُسقى بالماء الذي يحتوي على عناصر الغذاء اللازمة للإنبات لأنهم وجدوا أن أي نبات يأخذ من الأرض المواد اللازمة لإنباته بما لا يتجاوز خمسة في المائة من وزنه، ويأخذ من الهواء خمسة وتسعين في المائة من وزنه.

السابقالتالي
2 3 4 5