الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَـٰؤُلاۤءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ ٱللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ ٱللَّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَلاَ فِي ٱلأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ }

وكلمة { وَيَعْبُدُونَ } تقتضي وجود عابد ووجود معبود ووجود معنى للعبادة. والعابد أدنى حالاً من المعبود، ومظهر العبادة والعبودية كله طاعة للأمر والانصراف عن المنهي عنه. هذا هو أصل العبادة، ووسيلة القرب من الله. وحتى تكون العبادة في محلها الصحيح لا بد أن يقر العابد أن المعبود أعلى مرتبة في الحكم على الأشياء، أما إن كان الأمر بين متساويين فيسمونه التماساً. إذن: فهناك آمر ومأمور، فإن تساويا فالمأمور يحتاج إلى إقناع، وأما إن كان في المسألة حكم سابق بأن الآمر أعلى من المأمور كالأستاذ بالنسبة للتلميذ، أو الطبيب بالنسبة للمريض، ففي هذا الوضع يطيع المأمور الآمر لأنه يفهم الموضوع الذي يأمر فيه. وكذلك المؤمن لأن معنى الإيمان أنه آمن بوجود إله قادر له كل صفات الكمال المطلق فإذا اعتقدت هذا فالإنسان ينفذ ما يأمر به الله ليأخذ الرضاء والحب والثواب. وإن لم ينفذ فسوف ينال غضب المعبود وعقابه. إذن: فأنت إن فعلت أمره واجتنبت نهيه نلت الثواب منه، وإن خالفت تأخذ عقاباً لذلك لا بد أن يكون أعلى منك قدرة، ويكون قادراً على إنفاذ الثواب والعقاب، والقادر هو الله جل علاه. أما الأصنام التي كانوا يعبدونها، فبأي شيء أمرتهم؟ إنها لم تأمر بشيء لذلك لا يصلح أن تكون لها عبادة لأن معنى العبادة يتطلب أمراً ونهياً، ولم تأمر الأصنام بشيء ولم تنه عن شيء، بل كان المشركون هم الذين يقترحون الأوامر والنواهي، وهو أمر لا يليق لأن المعبود هو الذي عليه أن يحدد أوجه الأوامر والنواهي. إذن: فمن الحمق أن يعبد أحدٌ الأصنم لأنها لا تضر من خالفها، ولا تنفع من عبدها، فليس لها أمر ولا نهي. ومن أوقفوا أنفسهم هذا الموقف نسوا أن في قدرة كل منهم أن ينفع الصنم وأن يضره، فالواحد منهم يستطيع أن يصنع الصنم، وأن يصلحه إذا انكسر، أو يستطيع أن يكسره بأن يلقيه على الأرض. وفي هذه الحالة يكون العابد أقدر من المعبود على الضر وعلى النفع، وهذا عين التخلف العقلي. إذن: فمثل هذه العبادة لون من الحمق، ولو عُرِضَتْ هذه المسألة على العقل فسوف يرفضها العقل السليم. وعندما تجادلهم، وتثبت لهم أن تلك الأصنام لا تضر ولا تنفع، تجد من يكابر قائلاً: { هَـٰؤُلاۤءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ ٱللَّهِ } وهم بهذا القول يعترفون أن الله هو الذي ينفع ويضر، ولكن أما كان يجب أن يتخذوا شفيعاً لهم عند الله، وأن يكون الشفيع متمتعاً بمكانة ومحبة عند من يشفع عنده؟ ثم ماذا يقولون في أن من تُقدم له شفاعة هو الذي ينهى عن اتخاذ الأصنام آلهة وينهى عن عبادتها؟ وهل هناك شفاعة دون إذن من المشفوع عنده؟ من أجل ذلك جاء الأمر من الحق سبحانه لرسوله صلى الله عليه وسلم: { قُلْ أَتُنَبِّئُونَ ٱللَّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي ٱلأَرْضِ.

السابقالتالي
2 3