الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلِ ٱنظُرُواْ مَاذَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا تُغْنِي ٱلآيَاتُ وَٱلنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ }

وهنا يُحدِّثنا الحق سبحانه عن عالم المُلْك الذي تراه، ولا يتكلم عن عالم الملكوت الذي يغيب عنك، وكأنك إن اقتنعت بعالم الملك، وقلت: إن لهذا العالم خالقاً إلهاً قادراً قوياً، وتؤمن به هنا تهبُّ عليك نفحات الغيب لتصل إلى عالم الملكوت لأنك اكتشفت في داخلك أمانتك مع نفسك، وأعلنت إيمانك بالخالق سبحانه، ورأيت جميل صُنْعه في السماء والكواكب، وأعجْبتَ بدقة نظام سَيْر تلك الكواكب. وترى التوقيت الدقيق لظهور الشمس والقمر ومواعيد الخسوف الكلي أو الجزئي، وتُبهر بدقة المنظِّم الخالق سبحانه وتعالى، ولن تجد زحام مرور بين الكواكب يعطل القمر أو يعطل الأرض، ولن يتوقف كوكب ما لنفاد وقوده، بل كما قال الله سبحانه وتعالى:لاَ ٱلشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَآ أَن تدْرِكَ ٱلقَمَرَ وَلاَ ٱلَّيْلُ سَابِقُ ٱلنَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ } [يس: 40]. ونحن في حياتنا حين نرى دقة الصنعة بكثير فيما هو أقل من السماء والشمس والقمر، فنحن نكرِّم الصانع، وقد أكرمت البشرية مصمِّم التلغراف، ومصمم جهاز التليفزيون، فما بالنا بخالق الكون كله سبحانه. ويكفي أن نعلم أن الشمس تبعد عنا مسافة ثماني دقائق ضوئية، والثانية الضوئية تساوي ثلاثمائة ألف كيلو متر، وهي شمس واحدة تراها، غير آلاف الشموس الأخرى في المجرَّات الأولى، وكل مجرَّة فيها ملايين من المجموعات الشمسية، ويكفي أن تعلم أن الحق سبحانه قد أقسم بالشمس، وقال عن كوكب الشِّعْرى:وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ ٱلشِّعْرَىٰ } [النجم: 49]. لأن كوكب الشعرى أكبر من الشمس. وحين تتأمل السماوات والأرض تجد في الأرض جبالاً شامخة، وتمر عليها فتُدْهش من دقة التكوين ودقة التماسك، وتجد في داخلها نفائس ومعادن بدرجات متفاوتة، وقد تجد أسطح الجبال مُكوَّنة من مواد خصبة بشكل هشٍّ، فإذا ما نزل عليها المطر، فهو يصحبها معه إلى الأرض لأنها تكون مجرد ذرات كذرات برادة الحديد، وتتخلل الأرض التي شقَّقتها حرارة الشمس. والمثل الواضح على ذلك هو ما كان يحمله النيل من غِرْيَن في أثناء الفيضان إلى الدلتا قبل بناء السد العالي، وكانت مياه النيل في أيام الفيضان تشبه مادة " الطحينة " من فرط امتزاجها بذرات الغِرْين، وفي مثل هذا الغرين يوجد الخِصْب الذي نأخذ منه الأقوات. ولو أن الجبال كلها كانت هشَّة التكوين، لأزالها المطر مرة واحدة، وجعلها مجرد مسافة نصف متر مضاف لسطح الأرض، ولاختفى الخصب من الأرض بعد سنوات، لكن شاء الحق سبحانه أن يجعل الجبال متماسكة، وجعل سطحها فقط هو الهش لينزل المطر في كل عام مرة ليحمل الخصب إلى الأرض. ومَنْ يتأمل هندسة التكوين في الاقتيات يجد الجبال مخازن للقوت. فالبشر يحتاجون إلى الحديد ليصنعوا منه ما يفيدهم، سواء أكان آلات لحرث الأرض، أو أي آلات أخرى تساعد في تجميل الحياة، وتجد الحديد مخزوناً في الجبال.

السابقالتالي
2 3