الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ لَمْ يَكُنِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ وَٱلْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّىٰ تَأْتِيَهُمُ ٱلْبَيِّنَةُ } * { رَسُولٌ مِّنَ ٱللَّهِ يَتْلُواْ صُحُفاً مُّطَهَّرَةً } * { فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ } * { وَمَا تَفَرَّقَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ ٱلْبَيِّنَةُ } * { وَمَآ أُمِرُوۤاْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ حُنَفَآءَ وَيُقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ وَيُؤْتُواْ ٱلزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ ٱلقَيِّمَةِ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ وَٱلْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَآ أَوْلَـٰئِكَ هُمْ شَرُّ ٱلْبَرِيَّةِ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ أُوْلَـٰئِكَ هُمْ خَيْرُ ٱلْبَرِيَّةِ } * { جَزَآؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِى مِنْ تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً رِّضِىَ ٱللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ }

" مِنْ " فى قوله - تعالى - { مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ } للبيان، وقوله - سبحانه - { مُنفَكِّينَ } للعلماء فى معنى هذا اللفظ أقوال متعددة، منها أنه اسم فاعل من انفك بمعنى انفصل، يقال فككت الشئ فانفك إذا افترق ما كان ملتحما منه. والبينة الحجة الظاهرة التى يتميز بها الحق من الباطل، وأصلها من البيان بمعنى الظهور والوضوح، لأن بها تتضح الأمور، أو من البينونة بمعنى الانفصال، لأن بها ينفصل الحق عن الباطل بعد التباسهما. والمراد بها هنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، لقوله - تعالى - بعد ذلك { رَسُولٌ مِّنَ ٱللَّهِ يَتْلُواْ صُحُفاً مُّطَهَّرَةً } ، ولأنه صلى الله عليه وسلم كان فى ذاته برهانا على صحة ما ادعاه من النبوة، لتحليه بكمال العقل وبمكارم الأخلاق، ولإِتيانه بالمعجزات التى تؤيد أنه صادق فيما يبلغه عن ربه. والمعنى لم يكن الذين كفورا من أهل الكتاب، وهم اليهود والنصارى، ولم يكن - أيضاً - الذين كذبوا الحق من المشركين، ولم يكن الجميع بمفارقين وبمنفصلين عن كفرهم وشركهم، { حَتَّىٰ تَأْتِيَهُمُ ٱلْبَيِّنَةُ } التى هى الرسول صلى الله عليه وسلم فلما أتتهم هذه البينة، منهم من آمن ومنهم من استمر على كفره وشركه وضلاله. وإلى هذا المعنى أشار صاحب الكشاف بقوله " كان الكفار من الفريقين، أهل الكتاب، وعبدة الأصنام، يقولون قبل مبعث النبى صلى الله عليه وسلم لا ننفك عما نحن عليه من ديننا، ولا نتركه حتى يبعث النبى المكتوب فى التوراة والإنجيل، وهو محمد صلى الله عليه وسلم، فحكى الله - تعالى - ما كانوا يقولونه، ثم قال { وَمَا تَفَرَّقَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ } ، يعنى أنهم كانوا يَعِدُون باجتماع الكلمة، والاتفاق على الحق، إذا جاءهم الرسول، ثم ما فرقهم عن الحق، ولا أقرهم على الكفر، إلا مجئ الرسول صلى الله عليه وسلم، ونظيره فى الكلام أن يقول الفقير الفاسق لمن يعظه لست بمنفك عما أنا فيه حتى يرزقنى الله - تعالى - الغنى، فيرزقه الله الغنى فيزداد فسقا، فيقول له واعظه لم تكن منفكا عن الفسق حتى توسر، وما غمست رأسك فى الفسق إلا بعد اليسار، يذكره ما كان يقوله توبيخا وإلزاما. وانفكاك الشئ من الشئ، أن يزايله بعد التحامه به. كالعظم إذا انفك من مفصله. والمعنى أنهم متشبثون بدينهم لا يتركونه إلا عند مجئ البينة. ومنهم من يرى أن { مُنفَكِّينَ } بمعنى متروكين لا بمعنى تاركين، أى لم يكونوا جميعا متروكين على ما هم عليه من الكفر والشرك، حتى تأتيهم البينة، على معنى قوله - تعالى -أَيَحْسَبُ ٱلإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى } أو المعنى لم يكن هؤلاء القوم منفكين من أمر الله - تعالى - وقدرته ونظره لهم، حتى يبعث الله - تعالى - إليهم رسولا منذرا، تقوم عليهم به الحجة، ويتم على من آمن النعمة، فكأنه - تعالى - قال ما كانوا ليتركوا سدى.

السابقالتالي
2 3 4