الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ ٱقْرَأْ بِٱسْمِ رَبِّكَ ٱلَّذِي خَلَقَ } * { خَلَقَ ٱلإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ } * { ٱقْرَأْ وَرَبُّكَ ٱلأَكْرَمُ } * { ٱلَّذِى عَلَّمَ بِٱلْقَلَمِ } * { عَلَّمَ ٱلإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ } * { كَلاَّ إِنَّ ٱلإِنسَانَ لَيَطْغَىٰ } * { أَن رَّآهُ ٱسْتَغْنَىٰ } * { إِنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ ٱلرُّجْعَىٰ } * { أَرَأَيْتَ ٱلَّذِي يَنْهَىٰ } * { عَبْداً إِذَا صَلَّىٰ } * { أَرَأَيْتَ إِن كَانَ عَلَىٰ ٱلْهُدَىٰ } * { أَوْ أَمَرَ بِٱلتَّقْوَىٰ } * { أَرَأَيْتَ إِن كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ } * { أَلَمْ يَعْلَم بِأَنَّ ٱللَّهَ يَرَىٰ } * { كَلاَّ لَئِن لَّمْ يَنتَهِ لَنَسْفَعاً بِٱلنَّاصِيَةِ } * { نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ } * { فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ } * { سَنَدْعُ ٱلزَّبَانِيَةَ } * { كَلاَّ لاَ تُطِعْهُ وَٱسْجُدْ وَٱقْتَرِب }

أى اقرأ - أيها الرسول الكريم - ما سنوحيه إليك من قرآن الكريم، ولتكن قراءتك ملتبسة باسم ربك. وبقدرته وإرادته، لا باسم غيره، فهو - سبحانه - الذى خلق الأشياء جميعها، والذى لا يعجزه أن يجعلك قارئاً، بعد كونك لم تكن كذلك. وقال - سبحانه - { بِٱسْمِ رَبِّكَ } بوصف الربوبية، لأن هذا الوصف ينبئ عن كمال الرأفة والرحمة والرعاية بشأن المربوب. ووصف - سبحانه - ذاته بقوله { ٱلَّذِي خَلَقَ } للتذكير بهذه النعمة، لأن الخلق هو أعظم النعم، وعليه تترتب جميعها. وجملة { خَلَقَ ٱلإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ } بدل من قوله { ٱلَّذِي خَلَقَ } بدل بعض من كل، إذ خلق الإِنسان بمثل جزءا من خلق المخلوقات التى لا يعلمها إلا الله. و " العلق " الدم الجامد، وهو الطورالثانى من أطوار خلق الإِنسان. وقيل العلق مجموعة من الخلايا التى نشأت بطريقة الانقسام عن البويضة الملقحة، وسمى " علقا " لتعلقه بجدار الرحم. والمقصود من هذه الجملة الكريمة بيان مظهر من مظاهر قدرته - تعالى - فكأنه - سبحانه - يقول إن من كان قادراً على أن يخلق من الدم الجامد إنساناً يسمع ويرى ويعقل.. قادر - أيضاً - على أن يجعل منك - أيها الرسول الكريم - قارئاً، وإن لم تسبق لك القراءة. وخص - سبحانه - خلق الإِنسان بالذكر، لأنه أشرف المخلوقات ولأن فيه من بدائع الصنع والتدبير ما فيه. وقوله - تعالى - { ٱقْرَأْ وَرَبُّكَ ٱلأَكْرَمُ } أى امض لما أمرتك به من القراءة، فإن ربك الذى أمرك بالقراءة هو الأكرم من كل كريم، والأعظم من كل عظيم. قالوا وإنما كرر - سبحانه - الأمر بالقراءة، لأنه من الملكات التى لا ترسخ فى النفس إلا بالتكرار والإِعادة مرة فمرة. وجملة { وَرَبُّكَ ٱلأَكْرَمُ } مستأنفة لقصد بيان أنه - تعالى - أكرم من كل من يلتمس منه العطاء، وأنه - سبحانه - قادر على أن يمنح نبيه نعمة القراءة، بعد أن كان يجهلها. وقوله - تعالى - { ٱلَّذِى عَلَّمَ بِٱلْقَلَمِ } أى علم الانسان الكتابة بالقلم، ولم يكن له علم بها، فاستطاع عن طريقها أن يتفاهم مع غيره، وأن يضبط العلوم والمعارف، وأن يعرف أخبار الماضين وأحوالهم، وأن يتخاطب بها مع الذين بينه وبينهم المسافات الطويلة. ومفعولا " علَّم " محذوفان، دل عليهما قوله { بالقلم } أى علم ناسا الكتابة بالقلم. وتخصيص هذه الصفة بالذكر، للإِيماء إلى إزالة ما قد يخطر بباله صلى الله عليه وسلم من تعذر القراءة بالنسبة له، لجهله بالكتابة، فكأنه - تعالى - يقول له إن من علم غيرك القراءة والكتابة بالقلم، قادر على تعليمك القراءة وأنت لا تعرف الكتابة، ليكون ذلك من معجزاتك الدالة على صدقك، وكفاك بالعلم فى الأمة معجزة. وجملة { عَلَّمَ ٱلإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ } خبر عن قوله - تعالى - { وَرَبُّكَ ٱلأَكْرَمُ } وما بينهما اعتراض، ويصح أن تكون بدل اشتمال مما قبلها وهو قوله { عَلَّمَ بِٱلْقَلَمِ } أى علم الإِنسان بالقلم وبدونه ما لم يكن يعلمه من الأمور على اختلافها، والمراد بالإِنسان فى هذه الآيات جنسه.

PreviousNext
1 3 4 5 6