الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ } * { وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ } * { ٱلَّذِيۤ أَنقَضَ ظَهْرَكَ } * { وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ } * { فَإِنَّ مَعَ ٱلْعُسْرِ يُسْراً } * { إِنَّ مَعَ ٱلْعُسْرِ يُسْراً } * { فَإِذَا فَرَغْتَ فَٱنصَبْ } * { وَإِلَىٰ رَبِّكَ فَٱرْغَبْ }

الاستفهام فى قوله - سبحانه - { أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ } للتقرير لأنه إذا دخل على النفى قرره، وهذا التقرير المقصود به التذكير، حتى يداوم على شكره - تعالى -. وأصل الشرح البسط للشئ وتوسعته، يقال شرح فلان الشئ، إذا وسعه، ومنه شرح فلان الكتاب، إذا وضحه، وأزال مجمله، وبسط ما فيه من غموض. والمراد بشرح الصدر هنا توسعته وفتحه، لقبول كل ما هو من الفضائل والكمالات النفسية. وإذهاب كل ما يصد عن الإِدراك السليم وعن الحق الخير والهدى. وهذا الشرح، يشمل الشق البدنى لصدره صلى الله عليه وسلم كما يشمل الشرح المعنوى لصدره صلى الله عليه وسلم عن طريق إيداعه الإِيمان والهدى والعلم والفضائل. قال الإِمام ابن كثير قوله { أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ } يعنى أما شرحنا لك صدرك. أى نورناه وجعلناه فسيحا رحيبا واسعا، كقولهأَفَمَن شَرَحَ ٱللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ... } وقيل المراد بقوله { أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ } شرح صدره ليلة الإِسراء، كما تقدم من رواية مالك بن صعصعة.. وهذا وإن كان واقعا، ولكن لا منافاة، فإن من جملة شرح صدره صلى الله عليه وسلم الذى فعل بصدره ليلة الإِسراء، ما نشأ عنه من الشرح المعنوى - أيضا -.. والمعنى لقد شرحنا لك - أيها الرسول الكريم - صدرك شرحا عظيما، بأن أمرنا ملائكتنا بشقه وإخراج ما فيه مما يتنافى مع ما هيأناك له من حمل رسالتنا إلى الناس، وبأن أودعنا فيه من الهدى والمعرفة والإِيمان والفضائل والحكم.. ما لم نعطه لأحد سواك. ونون العظمة فى قوله - سبحانه - { نشرح } تدل على عظمة النعمة، من جهة أن المنعم العظيم، إنما يمنح العظيم من النعم، وفى ذلك إشارة إلى أن نعمة الشرح، مما لا تصل العقول إلى كنه جلالتها. واللام فى قوله - تعالى - { لك } للتعليل، وهو يفيد أن ما فعله الله - تعالى - به، إنما هو من باب تكريمه، ومن أجل تشريفه وتهيئته لحمل رسالته العظمى إلى خلقه، فمنفعة هذا الشرح إنما تعود إليه وحده صلى الله عليه وسلم لا إلى غيره. قال الإِمام الرازى فإن قيل لم ذكر الصدر ولم يذكر القلب؟ فالجواب أن محل الوسوسة هو الصدر، كما قال - تعالى -ٱلَّذِى يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ ٱلنَّاسِ } فإزالة تلك الوسوسة، وإبدالها بدواعى الخير، هى الشرح، فلا جرم خص ذلك الشرح بالصدر دون القلب. قال محمد بن على الترمذى القلب محل العقل والمعرفة، وهو الذى يقصده الشيطان، فالشيطان يجئ إلى الصدر الذى هو حصن القلب، فإذا وجد مسلكا أغار فيه، وبث فيه الهموم، فيضيق القلب، ولا يجد للطاعة لذة، وإذا طرد العدو فى الابتداء، حصل الأمن، وانشرح الصدر.

السابقالتالي
2 3 4 5