الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَٱلضُّحَىٰ } * { وَٱللَّيْلِ إِذَا سَجَىٰ } * { مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَىٰ } * { وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ ٱلأُولَىٰ } * { وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ } * { أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَىٰ } * { وَوَجَدَكَ ضَآلاًّ فَهَدَىٰ } * { وَوَجَدَكَ عَآئِلاً فَأَغْنَىٰ } * { فَأَمَّا ٱلْيَتِيمَ فَلاَ تَقْهَرْ } * { وَأَمَّا ٱلسَّآئِلَ فَلاَ تَنْهَرْ } * { وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ }

قد ذكر المفسرون فى سبب نزول هذه السورة الكريمة روايات منها ما أخرجه الإِمام البخارى ومسلم وغيرهما عن جندب بن سفيان قال اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يقم ليلة أو ليلتين، فأتت امرأة - وفى رواية أنها أم جميل امرأة أبى لهب - فقالت يا محمد، ما أرى شيطانك إلا قد تركك. فأنزل الله - تعالى - { وَٱلضُّحَىٰ. وَٱللَّيْلِ إِذَا سَجَىٰ. مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَىٰ }. وأخرج ابن أبى شيبة والطبرانى وابن مردويه، من حديث خولة، وكانت تخدم النبى صلى الله عليه وسلم " أن جروا دخل تحت سرير رسول الله صلى الله عليه وسلم فمات، فمكث النبى صلى الله عليه وسلم أياما لا ينزل عليه الوحى، فقال صلى الله عليه وسلم يا خولة ماذا حدث فى بيتى، إن جبريل لا يأتينى، قالت خوله فقلت يا نبى الله ما أتى علينا يوم خير منّا اليوم. فأخذ برده فلبسه، وخرج، فقلت فى نفسى لو هيأت البيت وكنسته، فأهويت بالمكنسة تحت السرير، فإذا بشئ ثقيل، لم أزل به حتى بدا لى الجرو ميتا، فأخذته بيدى، فألقيته خلف الدار، فجاء صلى الله عليه وسلم ترعد لحيته - وكان إذا نزل عليه الوحى أخذته الرعدة - فقال يا خولة دثرينى، فأنزل الله - تعالى - هذه السورة.. " وذكر بعضهم إن جبريل - عليه السلام - أبطأ فى نزوله على النبى صلى الله عليه وسلم، فقال المشركون قد قلاه ربه وودعه. فأنزل الله - تعالى - هذه الآيات.. والضحى هو وقت ارتفاع الشمس بعد إشراقها، وهو وقت النشاط والحركة، والإِقبال على السعى والعمل.. ولذا خص بالقسم به، وقيل المراد بالضحى هنا النهار كله، بدليل أنه جعل فى مقابلة الليل كله. والأول أولى لأن الضحى يطلق على وقت انتشار ضياء الشمس حين ترتفع، وتلقى بأشعتها على الكون، ويبرز الناس لأعمالهم المتنوعة. ومعنى " سجا " سكن. يقال سجا الليل يسجو سجوا، إذا سكن وهدأ وأسدل ظلامه على الكون. ويقال تسجَّى فلان بملابسه، إذا غطى بها جميع جسده، ومنه قولهم سُجِّى الميت تسجية، إذا غطى بكفنه.. قال صاحب الكشاف قوله { سجى } أى سكن وركد ظلامه. وقيل ليلة ساجية. أى ساكنة الريح وقيل معناه سكون الناس والأصوات فيه. وسجا البحر سكنت أمواجه. وطرف ساج، أى ساكن فاتر.. أى وحق الضحى وهو الوقت الذى ترتفع فيه الشمس، ويتم إشراقها، ويأخذ الناس فى النشاط والحركة.. وحق الليل إذا سكن وهجع فيه الناس بعد عناء العمل. وجواب القسم قوله - تعالى - { مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَىٰ } أى ما تركك ربك - أيها الرسول الكريم - منذ أن اختارك لحمل رسالته، وما أبغضك ولا كرهك، بل أنت محل رضانا ومحبتنا ورعايتنا.

السابقالتالي
2 3 4 5 6