الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَٱلْلَّيْلِ إِذَا يَغْشَىٰ } * { وَٱلنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّىٰ } * { وَمَا خَلَقَ ٱلذَّكَرَ وَٱلأُنثَىٰ } * { إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّىٰ } * { فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ وَٱتَّقَىٰ } * { وَصَدَّقَ بِٱلْحُسْنَىٰ } * { فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَىٰ } * { وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَٱسْتَغْنَىٰ } * { وَكَذَّبَ بِٱلْحُسْنَىٰ } * { فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَىٰ } * { وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّىٰ } * { إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَىٰ } * { وَإِنَّ لَنَا لَلآخِرَةَ وَٱلأُولَىٰ } * { فَأَنذَرْتُكُمْ نَاراً تَلَظَّىٰ } * { لاَ يَصْلَٰهَآ إِلاَّ ٱلأَشْقَى } * { ٱلَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ } * { وَسَيُجَنَّبُهَا ٱلأَتْقَى } * { ٱلَّذِى يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّىٰ } * { وَمَا لأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَىٰ } * { إِلاَّ ٱبْتِغَآءَ وَجْهِ رَبِّهِ ٱلأَعْلَىٰ } * { وَلَسَوْفَ يَرْضَىٰ }

أقسم الله - سبحانه - فى افتتاح هذه السورة بثلاثة أشياء، على أن أعمال الناس مختلفة. أقسم - أولا - بالليل فقال { وَٱلْلَّيْلِ إِذَا يَغْشَىٰ } أى وحق الليل إذا يغشى النهار، فيغطى ضياءه، ويذهب نوره، ويتحول الكون معه من حالة إلى حالة، إذ عند حلول الليل يسكن الخلق عن الحركة، ويأوى كل إنسان أو حيوان إلى مأواه، ويستقبلون النوم الذى فيه ما فيه من الراحة لأبدانهم، كما قال - تعالى -وَجَعَلْنَا ٱللَّيْلَ لِبَاساً. وَجَعَلْنَا ٱلنَّهَارَ مَعَاشاً } وأقسم - ثانيا - بالنهار فقال { وَٱلنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّىٰ } أى وحق النهار حين ينكشف ويظهر، ويزيل الليل وظلمته، ويخرج الناس معه ليباشروا أعمالهم المتنوعة. وأقسم - ثالثا - بقوله { وَمَا خَلَقَ ٱلذَّكَرَ وَٱلأُنثَىٰ } و " ما " هنا يصح أن تكون موصولة، بمعنى الذى، فيكون - سبحانه - قد أقسم بذاته، وجاء التعبير بما، للدلالة على الوصفية، ولقصد التفخيم. فكأنه - تعالى - يقول وحق الخالق العظيم، الذى لا يعجزه شئ، والذى خلق نوع الذكور، ونوع الإِناث من ماء واحد. ويصح أن تكون " ما " هنا حرفا مصدريا، فيكون المعنى وحق خَلْقِ الذكر والأنثى، وعليه يكون - سبحانه - قد أقسم بفعل من أفعاله التى تدل على كمال قدرته، وبديع صنعته، حيث أوجد الذكور والإِناث من ماء واحد، كما قال - سبحانه -وَأَنَّهُ خَلَقَ ٱلزَّوْجَيْنِ ٱلذَّكَرَ وَٱلأُنثَىٰ. مِن نُّطْفَةٍ إِذَا تُمْنَىٰ } وحيث وهب - سبحانه - الذكور لمن يشاء، ووهب الإِناث لمن يشاء، وجعل العقم لمن يشاء. وقوله - تعالى - { إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّىٰ } هو جواب القسم. وشتى جمع شتيت. مثل جريح وجرحى، ومريض ومرضى. والشئ الشتيت هو المتفرق المتناثر بعضه عن بعض، من الشتات بمعنى الابتعاد والافتراق. والمعنى وحق الليل إذا يغشى النهار فيستر ضياءه، وحق النهار إذا تجلى وأسفر وأزال الليل وظلامه، وحق الخالق العظيم القادر الذى أوجد الذكور والإِناث. وحق كل ذلك، إن أعمالكم ومساعيكم - أيها الناس - فى هذه الحياة، لهى ألوان شتى، وأنواع متفرقة، منها الهدى ومنها الضلال، ومنها الخير، ومنها الشر، ومنها الطاعة، ومنها المعصية.. وسيجازى - سبحانه - كل إنسان على حسب عمله. وحذف مفعول " يغشى " للتعميم، أى يغشى كل شئ ويواريه بظلامه. وأسند - سبحانه - التجلى إلى النهار، على سبيل المدح له بالاستنارة والإِسفار. والمراد بالسعى العمل. وقوله " سعيكم " مصدر مضاف فيفيد العموم فهو فى معنى الجمع أى إن مساعيكم لمتفرقة. قال القرطبى السعى العمل، فساع فى فكاك نفسه، وساع فى عطبها، يدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم " الناس غاديان فمبتاع نفسه فمعتقها، وبائع نفسه فموبقها ".

السابقالتالي
2 3 4 5