الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَٱلشَّمْسِ وَضُحَاهَا } * { وَٱلْقَمَرِ إِذَا تَلاَهَا } * { وَٱلنَّهَارِ إِذَا جَلاَّهَا } * { وَٱللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا } * { وَٱلسَّمَآءِ وَمَا بَنَاهَا } * { وَٱلأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا } * { وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا } * { فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا } * { قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا } * { وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا } * { كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَآ } * { إِذِ ٱنبَعَثَ أَشْقَاهَا } * { فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ ٱللَّهِ نَاقَةَ ٱللَّهِ وَسُقْيَاهَا } * { فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنبِهِمْ فَسَوَّاهَا } * { وَلاَ يَخَافُ عُقْبَاهَا }

افتتح - سبحانه - هذه السورة الكريمة، بالقسم بكائنات عظيمة النفع، جليلة القدر، لها آثارها فى حياة الناس والحيوان والنبات، ولها دلالتها الواضحة على وحدانيته - تعالى - وكمال قدرته، وبديع صنعه. فقال - سبحانه - { وَٱلشَّمْسِ وَضُحَاهَا } والضحى الوقت الذى ترتفع فيه الشمس بعد إشراقها، فتكون أكمل ما تكون ضياء وشعاعا. فالمراد بضحاها ضوؤها - كما يرى مجاهد -، أو النهار كله - كما اختار قتادة وغيره -، أو حرها - كما قال مقاتل -. وهذه الأقوال لا تنافر بينها، لأن لفظ الضحى فى الأصل، يطلق على الوقت الذى تنبسط فيه الشمس، ويمتد النهار، تقول ضَحِى فلان يَضْحَى - كرضى يرضى -، إذا برز للشمس، وتعرض لحرها، ومنه قوله - تعالى -إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيهَا وَلاَ تَعْرَىٰ. وَأَنَّكَ لاَ تَظْمَأُ فِيهَا وَلاَ تَضْحَىٰ } وقوله - تعالى - { وَٱلْقَمَرِ إِذَا تَلاَهَا } أى تبعها، تقول فلان تلا فلانا يتلوه، إذا تبعه، قال بعض العلماء فأما أن القمر تابع للشمس فيحتمل معنيين أحدهما أنه تال لها فى ارتباط مصالح الناس، وتعلق منافع هذا العالم بحركته، وقد دل علم الهيئة على أن بين الشمس والقمر من المناسبة ما ليس بين غيرهما من الكواكب. وثانيهما أن القمر يأخذ نوره ويستمده من نور الشمس. وهذا قول الفراء قديما، وقد قامت الأدلة عند علماء الهيئة والنجوم، على أن القمر يستمد ضوءه من الشمس.. وقال الشيخ ابن عاشور وفى الآية إشارة إلى أن نور القمر، مستفاد من نور الشمس، أى من توجه أشعة الشمس إلى ما يقابل الأرض من القمر، وليس نيرا بذاته، وهذا إعجاز علمى من إعجاز القرآن.. وقوله - سبحانه - { وَٱلنَّهَارِ إِذَا جَلاَّهَا } أى جلى الشمس وأظهرها وكشفها للناظرين. قال الآلوسى وقوله { وَٱلنَّهَارِ إِذَا جَلاَّهَا } أى جلى النهار الشمس، أى أظهرها، فإنها تنجلى وتظهر إذا انبسط النهار، ومضى منه مدة، فالإِسناد مجازى كالإِسناد فى نحو صام نهاره. وقيل الضمير المنصوب يعود إلى الأرض، وقيل إلى الدنيا، والمراد بها وجه الأرض، وقيل إلى الظلمة، وجلاها حينئذ بمعنى أزالها، وعدم ذكر المرجع على هذه الأقوال للعلم به. والأول أولى، لذكر المرجع واتساق الضمائر.. وقوله - سبحانه - { وَٱللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا } أى يغشى الليلُ الشمسَ فيغطى ضوءها، فالضمير فى يغشاها يعود إلى الشمس. وقيل يعود إلى الدنيا، وقيل إلى الأرض أى يغشى الليل الدنيا والأرض بظلامه. والحق أن فى قوله - تعالى - { جَلاَّهَا } و { يَغْشَاهَا } إشارة واضحة إلى أن الضمير فيهما يعود إلى الشمس، إذ النهار يجلى الشمس ويكشفها أتم انكشاف، والليل يزيل ضوءها ويستره، فنسب - سبحانه - إلى النهار ما يلائمه بالنسبة للشمس، وكذلك الحال بالنسبة لليل.

السابقالتالي
2 3 4 5