الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ لاَ أُقْسِمُ بِهَـٰذَا ٱلْبَلَدِ } * { وَأَنتَ حِلٌّ بِهَـٰذَا ٱلْبَلَدِ } * { وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ } * { لَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ فِي كَبَدٍ } * { أَيَحْسَبُ أَن لَّن يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ } * { يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالاً لُّبَداً } * { أَيَحْسَبُ أَن لَّمْ يَرَهُ أَحَدٌ } * { أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ } * { وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ } * { وَهَدَيْنَاهُ ٱلنَّجْدَينِ } * { فَلاَ ٱقتَحَمَ ٱلْعَقَبَةَ } * { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا ٱلْعَقَبَةُ } * { فَكُّ رَقَبَةٍ } * { أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ } * { يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ } * { أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ } * { ثُمَّ كَانَ مِنَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَتَوَاصَوْاْ بِٱلصَّبْرِ وَتَوَاصَوْاْ بِٱلْمَرْحَمَةِ } * { أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلْمَيْمَنَةِ } * { وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا هُمْ أَصْحَابُ ٱلْمَشْأَمَةِ } * { عَلَيْهِمْ نَارٌ مُّؤْصَدَةٌ }

افتتحت السورة الكريمة بالقسم، تشويقا لما يرد بعده، وتأكيدا للمقسم عليه. و " لا " فى مثل هذا التركيب، يرى المحققون أنها مزيدة للتأكيد، والمعنى أقسم بهذا البلد. أى مكة المكرمة، وقد جاء القسم بها فى قوله - تعالى -وَٱلتِّينِ وَٱلزَّيْتُونِ. وَطُورِ سِينِينَ. وَهَـٰذَا ٱلْبَلَدِ ٱلأَمِينِ } قال الشيخ محمد عبده - رحمه الله - قوله { لاَ أُقْسِمُ.. } عبارة من عبارات العرب فى القسم، يراد بها تأكيد الخبر، كأنه فى ثبوته وظهوره لا يحتاج إلى قسم. ويقال إنه يؤتى بها فى القسم إذا أريد تعظيم المقسم به. كأن القائل يقول إنى لا أعظمه بالقسم، لأنه عظيم فى نفسه، والمعنى فى كل حال على القسم.. وقال بعض العلماء " لا " هذه للنفى، وهذه عبارة تعود العرب أن يقولوها عندما يكون المقسم عليه ظاهرا أمره، كأنه - تعالى - يقول أنا لا أقسم بهذه الأشياء، على إثبات هذا المطلوب الذى أذكره بعد، لأن إثباته أظهر وأجلى وأقوى من أن يحاول محاول إثباته بالقسم. ويقال معناه أنا لا أقسم بهذه الأشياء على إثبات المطلوب، لأنه أعظم وأجل وأكبر من أن يقسم عليه، بهذه الأمور الهينة الشأن، والغرض على هذا الوجه، تعظيم المقسم عليه، وتفخيم شأنه.. والإِشارة بلفظ " هذا " مع بيانه بالبلد، إشارة إلى حاضر فى أذهان السامعين، لأن مكة بعضهم كان يعيش فيها. وبعضهم كان يعرفها معرفة لاخفاء معها، وشبيه بذلك قوله - تعالى -إِنَّمَآ أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ ٱلْبَلْدَةِ ٱلَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيءٍ } وفائدة الإِتيان باسم الإِشارة هنا تمييز المقسم به أكمل تمييز لقصد التنويه به. وجملة { وَأَنتَ حِلٌّ بِهَـٰذَا ٱلْبَلَدِ } معترضة بين القسم وجوابه. وقوله - تعالى - { حل } اسم مصدر أحل بمعنى أباح، فيكون المعنى وأنت - أيها الرسول الكريم - قد استحل كفار مكة إيذاءك ومحاربتك.. مع أنهم يحرمون ذلك النسبة لغيرك، فى هذا البلد الأمين. ويصح أن يكون لفظ " حل " هنا بمعنى الحلال الذى هو ضد الحرام يقال هو حل وحلال، وحِرْمٌ وحرام.. فيكون المعنى وأنت أيها الرسول الكريم - قد أحل الله - تعالى - لك أن تفعل بهؤلاء المشركين ما شئت من القتل أو العفو. وتكون الجملة الكريمة، بشارة للنبى صلى الله عليه وسلم بأن الله - تعالى - سينصره على مشركى قريش، ويمكنه من رقابهم.. وقد أنجز له - سبحانه - ذلك يوم الفتح الأكبر. قال صاحب الكشاف أقسم الله - تعالى - بالبلد الحرام وما بعده، على أن الإِنسان خلق مغمورا فى مكابدة المشاق والشدائد، واعترض بين القسم والمقسم عليه بقوله { وَأَنتَ حِلٌّ بِهَـٰذَا ٱلْبَلَدِ } يعنى ومن المكابدة أن مثلك - يا محمد - على عظم حرمتك، يُسْتَحلُّ بهذا البلد الحرام، كما يستحل الصيد فى غير الحرم.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7