الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ ٱلأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفَاقاً وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُواْ حُدُودَ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } * { وَمِنَ ٱلأَعْرَابِ مَن يَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ مَغْرَماً وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ ٱلدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَآئِرَةُ ٱلسَّوْءِ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } * { وَمِنَ ٱلأَعْرَابِ مَن يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَاتٍ عِندَ ٱللَّهِ وَصَلَوَاتِ ٱلرَّسُولِ أَلاۤ إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَّهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ ٱللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

قال صاحب المنار قوله، سبحانه { ٱلأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفَاقاً }. بيان مستأنف لحال سكان البادية من المنافقين، لأنه مما يسأل عنه بعد ما تقدم فى منافقى الحضر من سكان المدينة وغيرها من القرى. والأعراب اسم جنس لبدو العرب، واحده أعرابى، والأنثى أعرابية، والجمع أعاريب، والعرب اسم جنس لهذا الجيل الذى ينطق بهذه اللغة، بدوه وحضره، واحده عربى.. ". والمراد بالأعراب هنا جنسهم لا كل واحد منهم، بدليل أن الله. تعالى. قد ذم من يستحق الذم منهم، ومدح من يستحق المدح منهم، فالآية الكريمة من باب وصف الجنس بوصف بعض أفراده. وقد بدأ، سبحانه، بذكر المنافقين من الأعراب قبل المؤمنين منهم، إلحاقا لهم بمنافقى المدينة الذين تحدثت السورة عنهم قبل ذلك مباشرة حديثاً مستفيضاً، وبهذا الترتيب الحكيم تكون السورة الكريمة قد واصلت الحديث عن منافقى الحضر والبدو. والمعنى " الأعراب " سكان البادية { أَشَدُّ كُفْراً وَنِفَاقاً } من الكفار والمنافقين الذين يسكنون الحضر والقرى. وذلك، لأن ظروف حياتهم البدوية، وما يصاحبها من عزلة وكر وفر فى الصحراء، وخشونة فى الحياة...كل ذلك جعلهم أقسى قلوباً، وأجفى قولا، وأغلظ طبعا، وأبعد عن سماع ما يهدى نفوسهم إلى الخير من غيرهم سكان المدن. وقوله { وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُواْ حُدُودَ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ } معطوف على ما قبله لتعديد صفاتهم الذميمة. قال القرطبى قوله " وأجدر " عطف على " أشد " ومعناه أخلق، وأحق، يقال فلان جدير بكذا، أى خليق به. وأنت جدير أن تفعل كذا، والجمع جدراء وجديرون، وأصله من جدر الحائط وهو رفعه بالبناء فقوله هو أجدر بكذا، أى أقرب إليه وأحق به. والمعنى الأعراب أشد كفرا ونفاقا من أهل الحضر الكفار والمنافقين، وهم كذلك أحق وأخلق من أهل الحضر بأن لا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله، بسبب ابتعادهم عن مجالس رسول الله. صلى الله عليه وسلم. وعدم مشاهدتهم لما ينزل عليه. صلى الله عليه وسلم. من شرائع وآداب وأحكام. وقوله { وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } أى " عليم " بأحوال عباده الظاهرة والباطنة لا يخفى عليه شئ من صفاتهم وطباعهم " وحكيم " فى صنعه بهم، وفى حكمه عليهم، وفيما يشرعه لهم من أحكام ، وفيما يجازيهم به من ثواب أو عقاب. هذا، وقد ذكر المفسرون هنا أمثلة متعددة لجفاء الأعراب وجهلهم، ومن ذلك قول الإِمام ابن كثير قال الأعمش عن ابراهيم قال جلس أعرابى إلى زيد بن صومان، وهو يحدث أصحابه، وكانت يده قد أصيبت يوم " نهاوند " فقال الأعرابى والله إن حديثك ليعجبنى وإن يدك لتريبنى!! فقال زيد وما يريبك من يدى؟ إنها الشمال!! فقال الأعرابى والله ما أدرى اليمين يقطعون أو الشمال!! فقال زيد صدق الله إذ يقول { ٱلأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفَاقاً وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُواْ حُدُودَ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ.

السابقالتالي
2 3