الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِنَّمَا ٱلسَّبِيلُ عَلَى ٱلَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَآءُ رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ ٱلْخَوَالِفِ وَطَبَعَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } * { يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُل لاَّ تَعْتَذِرُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا ٱللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ وَسَيَرَى ٱللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } * { سَيَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ لَكُمْ إِذَا ٱنْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُواْ عَنْهُمْ فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } * { يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْاْ عَنْهُمْ فَإِن تَرْضَوْاْ عَنْهُمْ فَإِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَرْضَىٰ عَنِ ٱلْقَوْمِ ٱلْفَاسِقِينَ }

فهذه الآيات الكريمة بيان لما سيكون من أمر المنافقين الذين قعدوا فى المدينة بدون عذر، بعد أن يرجع الرسول صلى الله عليه وسلم إليهم والمؤمنون من تبوك. والمعنى إذا كان الضعفاء والمرضى ومن فى حكمهم، لا إثم ولا عقوبة عليهم بسبب تخلفهم عن الجهاد، فإن " السبيل " أى الإِثم والعقوبة { عَلَى ٱلَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ } فى التخلف " وهم أغنياء " أى يملكون كل وسائل الجهاد من مال وقوة وعدة. وقوله { رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ ٱلْخَوَالِفِ } استئناف تعليلى مسبوق لمزيد مذمتهم. أى استأذنوك مع غناهم وقدرتهم على القتال، لأنهم لخلو قلوبهم من الإِيمان، ولسقوط همتهم وجبنهم، رضوا لأنفسهم أن يقبعوا فى المدينة مع الخالف من النساء والصبيان والعجزة. وقوله { وَطَبَعَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } بيان لسوء مصيرهم. أى وبسبب هذا الإِصرار على النفاق، والتمادى فى الفسوق العصيان، ختم الله - تعالى - على قلوبهم، فصارت لا تعلم ما يترتب على ذلك من مصائب دينية ودنيوية وأخروية. قوله { يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ } ، إخبار عما سيقولونه للمؤمنين عند لقائهم بهم. أى أن هؤلاء المنافقين المتخلفين عن الجهاد مع قدرتهم عليه، سيعتذرون إليكم - أيها المؤمنون - إذا رجعتم إليهم من تبوك. بأن يقولوا لكم مثلا إن قعودنا فى المدينة وعدم خروجنا معكم كانت له مبرراته القوية. فلا تؤاخذونا. وهذه الجملة الكريمة من الأنباء التى أنبأ الله بها نبيه - صلى الله عليه وسلم - عن أحوال المنافقين وعما سيقولونه له وللمؤمنين بعد عودتهم إليهم، وهذا يدل على أن هذه الآيات نزلت فى أثناء العودة، وقبل وصول الرسول وأصحابه إلى المدينة من تبوك. وقوله { قُل لاَّ تَعْتَذِرُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا ٱللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ } ، إبطال لمعاذيرهم، وتلقين من الله - تعالى - لرسوله بالرد الذى يخرس ألسنتهم. أى قل لهم - أيها الرسول الكريم - عندما يعتذرون إليكم إذا رجعتم إليهم، قل لهم دعوكم من هذه المعاذير الكاذبة، ولا تتفوهوا بها أمامنا، فإننا { لَن نُّؤْمِنَ لَكُمْ } ولن نصدق أقوالكم، فإن الله، تعالى. قد كشف لنا عن حقيقتكم ووضح لنا أحوالكم، وبين لنا ما أنتم عليه من نفاق وفسوق وعصيان، وما دام الأمر كذلك، فوفروا على أنفسكم هذه المعاذير الكاذبة. وقال، سبحانه. { قَدْ نَبَّأَنَا ٱللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ } ولم يقل قد نبأنى، للاشعار بأن الله - تعالى - قد أمر رسوله. صلى الله عليه وسلم. أن يبلغ المؤمنين بأحوال هؤلاء المنافقين حتى يكونوا على بينة من أمرهم. وقوله { وَسَيَرَى ٱللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ } تهديد لهم على نفاقهم وكذبهم. أى دعوا عنكم هذه الأعذار الباطلة، فإن الله - تعالى - مطلع على أحوالكم، وسيعلم سركم وجهركم علما يترتب عليه الجزاء العادل لكم، ويبلغ رسوله - صلى الله عليه وسلم - بأخباركم، هذا فى الدنيا، أما فى الآخرة، فأنتم " ستردون " يوم القيامة { إِلَىٰ عَالِمِ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَادَةِ } الذى لا يخفى عليه شئ فى الأرض ولا فى السماء { فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } أى فيخبركم بما كنتم تعملونه فى الدنيا من أعمال قبيحة، وسيجازيكم عليها بما تستحقونه من عقاب.

السابقالتالي
2 3