الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ لَّيْسَ عَلَى ٱلضُّعَفَآءِ وَلاَ عَلَىٰ ٱلْمَرْضَىٰ وَلاَ عَلَى ٱلَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُواْ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى ٱلْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { وَلاَ عَلَى ٱلَّذِينَ إِذَا مَآ أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لاَ أَجِدُ مَآ أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ ٱلدَّمْعِ حَزَناً أَلاَّ يَجِدُواْ مَا يُنْفِقُونَ }

ذكر المفسرون فى سبب نزول هاتين الآيتين روايات، منها ما جاء عن زيد بن ثابت أنه قال كنت أكتب لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكنت أكتب " براءة " ، فإنى لواضع القلم على أذنى، إذ أمرنا بالقتال، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر ما ينزل عليه، إذ جاء أعمى فقال كيف بى يا رسول الله وأنا أعمى؟ فنزلت { لَّيْسَ عَلَى ٱلضُّعَفَآءِ وَلاَ عَلَىٰ ٱلْمَرْضَىٰ... } الآية. وروى العوفى عن ابن عباس " أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر الناس أن ينبعثوا غازين معه. فجاءته عصابة من أصحابه فيهم عبد الله بن مقرن المزنى، فقالوا يا رسول الله، احملنا. فقال لهم " والله لا أجد ما أحملكم عليه " ، فتولوا وهم يبكون وعز عليهم أن يجلسوا عن الجهاد، ولا يجدون نفقة ولا محملا، فلما رأى الله حرصهم على محبته ومحبة رسوله، أنزل عذرهم فى كتابه فقال { لَّيْسَ عَلَى ٱلضُّعَفَآءِ وَلاَ عَلَىٰ ٱلْمَرْضَىٰ }.. " الآية. وقال محمد بن إسحاق - فى سياق غزوة تبوك - ثم " إن رجالا من المسلمين أتوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهم البكاءون وهم سبعة نفر من الأنصار وغيرهم.. فاستحملوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم، وكانوا أهل حاجة فقال " لا أجد ما أحملكم عليه " تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا ألا يجدوا ما ينفقون ". والضعفاء جمع ضعيف، وهو من ليس عنده القوة على القيام بتكاليف الجهاد، كالشيوخ والنساء والصبيان. والمرضى جمع مريض، وهم الذين عرضت لهم أمراض حالت بينهم وبين الاشراك فى القتال، وهؤلاء عذرهم ينتهى بزوال أمراضهم. والمعنى { لَّيْسَ عَلَى ٱلضُّعَفَآءِ } العاجزين عن القتال لعلة فى تكوينهم، أو لشيخوخة أقعدتهم، { وَلاَ عَلَىٰ ٱلْمَرْضَىٰ } الذين حالت أمراضهم بينهم وبين الجهاد { وَلاَ عَلَى ٱلَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ } وهم الفقراء القادرون على الحرب، ولكنهم لا يجدون المال الذين ينفقونه فى مطالب الجهاد، ولا يجدون الرواحل التى يسافرون عليها أرض المعركة، ليس على هؤلاء جميعا { حَرَجٌ } أى إثم أو ذنب بسبب عدم خروجهم مع النبى - صلى الله عليه وسلم - إلى تبوك لقتال الكافرين.. وقوله { إِذَا نَصَحُواْ للَّهِ وَرَسُولِهِ } بيان لما يجب عليهم فى حال قعودهم. قال الجمل ومعنى النصح - هنا - أن يقيموا فى البلد، ويحترزوا عن إنشاء الأراجيف، وإثارة الفتن، ويسعوا فى إيصال الخير إلى أهل المجاهدين الذين خرجوا إلى الغزو، ويقوموا بمصالح بيوتهم، ويخلصوا الإِيمان والعمل لله ويتابعوا الرسول - صلى الله عليه وسلم - فجملة هذه الأمور تجرى مجرى النصح لله ورسوله.

السابقالتالي
2 3