الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَإِذَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُواْ بِٱللَّهِ وَجَاهِدُواْ مَعَ رَسُولِهِ ٱسْتَأْذَنَكَ أُوْلُواْ ٱلطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقَالُواْ ذَرْنَا نَكُنْ مَّعَ ٱلْقَاعِدِينَ } * { رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ ٱلْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَفْقَهُونَ } * { لَـٰكِنِ ٱلرَّسُولُ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ جَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُوْلَـٰئِكَ لَهُمُ ٱلْخَيْرَاتُ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } * { أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذٰلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ }

والمراد بالسورة فى قوله - سبحانه - { وَإِذَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ } كل سورة ذكر الله - تعالى - فيها وجوب الإِيمان به والجهاد فى سبيله. أى أن من الصفات الذميمة لهؤلاء المنافقين، أنهم كلما نزلت سورة قرآنية، تدعو فى بعض آياتها الناس إلى الإِيمان بالله والجهاد فى سبيله، ما كان منهم عند ذلك إلا الجبن والاستخذاء والتهرب من تكاليف الجهاد... وقوله { ٱسْتَأْذَنَكَ أُوْلُواْ ٱلطَّوْلِ مِنْهُمْ... } بيان لحال هؤلاء المنافقين عند نزول هذه السورة. والطول - بفتح الطاء - يطلق على الغنى والثروة، مأخوذ من مادة الطول بالضم التى هى ضد القصر. والمراد بأولى الطول رؤساء المنافقين وأغنياؤهم والقادرون على تكاليف الجهاد. أى عند نزول السورة الداعية إلى الجهاد، يجئ هؤلاء المنافقين أصحاب الغنى والثروة، إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - ليستأذنوا فى القعود وعدم الخروج.. وليقولوا له بجبن واستخذاء { ذَرْنَا نَكُنْ مَّعَ ٱلْقَاعِدِينَ }. أى اتركنا يا محمد مع القاعدين فى المدينة من العجزة والنساء والصبيان، واذهب أنت وأصحابك إلى القتال. وإنما خص ذوى الطول بالذكر، تخليداً لمذمتهم واحتقارهم لأنه كان المتوقع منهم أن يتقدموا صفوف المجاهدين، لأنهم يملكون وسائل الجهاد والبذل، لا ليتخاذلوا ويعتذروا، ويقولوا ما قالوا مما يدل على جبنهم والتوائهم. وقوله { رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ ٱلْخَوَالِفِ } زيادة فى تحقيرهم وذمهم. والخوالف جمع خالفة، ويطلق على المرأة المتخلفة عن أعمال الرجال لضعفها، كما يطلق لفظ الخالفة - أيضاً - على كل من لا خير فيه. والمعنى رضى هؤلاء المنافقون لأنفسهم، أن يبقوا فى المدينة مع النساء، ومع كل من لا خير فيه من الناس، ولا يرضى بذلك إلا من هانت كرامته، وسقطت مروءته، وألف الذل والصغار. وقوله { وَطُبِعَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَفْقَهُونَ } بيان لما ترتب على استمرارهم فى النفاق، وعدم رجوعهم إلى طريق الحق. أى أنه ترتب على رسوخهم فى النفاق، وإصرارهم على الفسوق والعصيان أن ختم الله على قلوبهم، فصارت لا تفقه ما فى الإِيمان والجهاد من الخير والسعادة، وما فى النفاق والشقاق من الشقاق والهلاك. وقوله - سبحانه - { لَـٰكِنِ ٱلرَّسُولُ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ جَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ } استدراك لبيان حال الرسول - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنين، بعد بيان حال المنافقين. أى إذا كان حال المنافقين كما وصفنا من جبن وتخاذل وهوان... فإن حال المؤمنين ليس كذلك، فإنهم قد وقفوا إلى جانب رسولهم - صلى الله عليه وسلم - فجاهدوا معه بأموالهم وأنفسهم من أجل إعلاء كلمة الله، وأطاعوه فى السر والعلن، وآثروا ما عند الله على كل شئ فى هذه الحياة.. وقد بين - سبحانه - جزاءهم الكريم فقال { وَأُوْلَـٰئِكَ لَهُمُ ٱلْخَيْرَاتُ } أى أولئك المؤمنون الصادقون لهم الخيرات التى تسر النفس، وتشرح الصدر فى الدنيا والآخرة { وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } الفائزون بسعادة الدارين.

السابقالتالي
2