الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَٰلُهُمْ وَأَوْلَـٰدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي ٱلدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَٰفِرُونَ }

أى عليك - أيها العاقل - أن لا تغتر بما عند هؤلاء المنافقين من أموال وأولاد، وأن لا يداخل قلبك شئ من الإِعجاب بما بين أيديهم من نعم، فإن هذه النعم - التى من أعظمها الأموال والأولاد - إنما أعطاهم الله إياها، ليعذبهم بسببها فى الدنيا عن طريق التعب فى تحصيلها، والحزن عند فقدها وهلاكها. وقوله { وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ } بيان لسوء مصيرهم فى الآخرة، بعد بيان عذابهم فى الدنيا، وزهوق النفس خروجها من الجسد بمشقة وتعب. أى أنهم فى الدنيا تكون النعم التى بين أيديهم، مصدر عذاب لهم، وأما فى الآخرة فعذابهم أشد وأبقى، لأن أرواحهم قد خرجت من أبدانهم وهم مصرون على الكفر والضلال. فأنت ترى أن الآية الكريمة قد توعدت هؤلاء المنافقين بسوء العاقبة فى الدنيا والآخرة، ومن كان مصيره كهذا المصير، لا يستحق الإِعجاب أو التكريم وإنما يستحق الاحتقار والإِهمال. وهذه الآية الكريمة، قد سبقتها فى السورة نفسها آية أخرى شبيهة بها. وهى قوله - تعالى - { وَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلاَدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي ٱلدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ }. وقد أشار صاحب الكشاف إلى سر هذا التكرار فقال " وقد أعيد قوله { وَلاَ تُعْجِبْكَ } لأن تجدد النزول له شأنه فى تقرير ما نزل له وتأكيده، وإرادة أن يكون على بال من المخاطب لا ينساه ولا يسهو عنه، وأن يعقتد أن العمل به مهم يفتقر إلى فضل عناية به، لا سيما إذا تراخى ما بين النزولين، فأشبه الشئ الذى أهم صاحبه، فهو يرجع إليه فى أثناء حديثه، ويتخلص إليه، وإنما أعيد هذا المعنى لقوته فيما يجب أن يحذر منه ". ثم بين - سبحانه - موقف المنافقين وموقف المؤمنين بالنسبة للجهاد، كما بين عاقبة كل فريق فقال - تعالى - { وَإِذَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ....ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ }.