الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ فَرِحَ ٱلْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلاَفَ رَسُولِ ٱللَّهِ وَكَرِهُوۤاْ أَن يُجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَقَالُواْ لاَ تَنفِرُواْ فِي ٱلْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ } * { فَلْيَضْحَكُواْ قَلِيلاً وَلْيَبْكُواْ كَثِيراً جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } * { فَإِن رَّجَعَكَ ٱللَّهُ إِلَىٰ طَآئِفَةٍ مِّنْهُمْ فَٱسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَّن تَخْرُجُواْ مَعِيَ أَبَداً وَلَن تُقَاتِلُواْ مَعِيَ عَدُوّاً إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِٱلْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَٱقْعُدُواْ مَعَ ٱلْخَالِفِينَ }

وقوله " المخلفون " اسم مفعول مأخوذ من قولهم خلف فلان فلانا وراءه إذا تركه خلفه. والمراد بهم أولئك المنافقون الذين تخلفوا عن الخروج إلى غزوة تبوك بسبب ضعف إيمانهم، وسقوط همتهم، وسوء نيتهم.. قال الجمل وقوله { خِلاَفَ رَسُولِ ٱللَّهِ } فيه ثلاثة أوجه أحدها أنه منصوب على المصدر بفعل مقدر مدلول عليه بقوله " مقعدهم " لأنه فى معنى تخلفوا أى تخلفوا خلاف رسول الله. الثانى أن خلاف مفعول لأجله والعامل فيه إما فرح إما مقعد. أى فرحوا لأجل مخالفتهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حيث مضى هو للجهاد وتخلفوا هم عنه. أو بقعودهم لمخالفتهم له، وإليه ذهب الطبرى والزجاج، ويؤيد ذلك قراءة من قرأ " خلف رسول الله " - بضم الخاء واللام، الثالث أن ينتصب على الظرف. أى بعد رسول الله، يقال أقام زيد خلاف القوم، أى تخلف بعد ذهابهم، وخلاف يكون ظرفا، وإليه ذهب أبو عبيدة وغيره، ويؤيد هذا قراءة ابن عباس، وأبى حيوه، وعمرو بن ميمون، " خلف رسول الله " - بفتح الخاء وسكون اللام. والمعنى فرح المخلفون من هؤلاء المنافقين، بسبب قعودهم فى المدينة، وعدم خروجهم إلى تبوك للجهاد مع الرسول صلى الله عليه وسلم - والمؤمنين، وكرهوا أن يبذلوا شيئا من أموالهم وأنفسهم من أجل إعلاء كلمة الله. وإنما فرحوا بهذا القعود، وكرهوا الجهاد لأنهم قوم خلت قلوبهم من الإِيمان بالله واليوم الآخر، وهبطت نفوسهم عن الارتفاع إلى معالى الأمور، وآثروا الدنيا وشهواتها الزائلة على الآخرة ونعيمها الباقى. وفى التعبير بقوله { ٱلْمُخَلَّفُونَ } تحقير لهم، وإهمال لشأنهم، حتى لكأنهم شئ من سقط المتاع الذى يخلف ويترك ويهمل لأنه لا قيمة له، أو لأن ضرره أكبر من نفعه. قال الآلوسى وإيثار ما فى النظم الكريم على أن يقال، وكرهوا أن يخرجوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إيذان بأن الجهاد فى سبيل الله مع كونه من أجل الرغائب التى ينبغى أن يتنافس فيها المتنافسون، قد كرهوه، كما فرحوا بأقبح القبائح وهو القعود خلاف رسول الله - صلى الله عليه وسلم، وفى الكلام تعريض بالمؤمنين الذين آثروا ذلك وأحبوه ". وقوله { وَقَالُواْ لاَ تَنفِرُواْ فِي ٱلْحَرِّ } حكاية لأقوالهم التى تدل على ضعفهم وجبنهم، وعلى أنهم قوم لا يصلحون للأعمال التى يصلح لها الرجال. أى. وقال هؤلاء المنافقون المخلفون لغيرهم، اقعدوا معنا فى المدينة، ولا تخرجوا للجهاد مع المؤمنين، فإن الحر شديد، والسفر طويل، وقعودكم يريحكم من هذه المتاعب، ويحمل غيرنا وغيركم على القعود معنا ومعكم، وبذلك ننال بغيتنا من تثبيط همة المجاهدين عن الجهاد فى سبيل الله.

السابقالتالي
2 3 4