الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَٱلْمُؤْمِنُونَ وَٱلْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ ٱللَّهُ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } * { وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِّنَ ٱللَّهِ أَكْبَرُ ذٰلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ }

قال الإِمام ابن كثير لما ذكر - سبحانه - صفات المنافقين الذميمة، عطف بذكر صفات المؤمنين المحمودة فقال { وَٱلْمُؤْمِنُونَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ }. أى يتناصرون ويتعاضدون كما جاء فى الحديث الصحيح " المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا " وفى الصحيح - أيضا - " مثل المؤمنين فى توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر ". وقال - سبحانه - هنا { بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ } بينما قال فى المنافقينبَعْضُهُمْ مِّن بَعْضٍ } للإِشعار بأن المؤمنين فى تناصرهم وتعاضدهم وتراحمهم مدفوعون بدافع العقيدة الدينية التى ألفت بين قلوبهم، وجعلتهم أشبه ما يكونون بالجسد الواحد، أما المنافقون فلا توجد بينهم هذه الروابط السامية، وإنما الذى يوجد بينهم هو التقليد واتباع الهوى، والسير وراء العصبية الممقوتة، فهم لا ولاية بينهم، وإنما الذى بينهم هو التقليد وكراهية ما أنزل الله على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وقوله { يَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ... } بيان للآثار التى تترتب على تلك الولاية الخالصة، وتفصيل للصفات الحسنة التى تحلى بها المؤمنون والمؤمنات. أى أن من صفات هؤلاء المؤمنين والمؤمنات الذين جمعتهم العقيدة الدينية على التناصر والتراحم.. من صفاتهم أنهم { يَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ } أى يأمرون بكل خير دعا إليه الشرع، وينهون عن كل شر تأباه تعاليم الإِسلام الحنيف. وقوله { وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلاَةَ } أى يؤدونها فى أوقاتها بإخلاص وخشوع.. وقوله { وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَاةَ } أى يعطونها لمستحقيها بدون منِّ أو أذى.. وقوله { وَيُطِيعُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } أى فى سائر الأحوال بدون ملل أو انقطاع أو تكاسل.. وقوله { أُوْلَـٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ ٱللَّهُ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } بيان للجزاء الطيب الذى ادخره الله - تعالى - لهم. أى أولئك المؤمنون والمؤمنات المتصفون بتلك الصفات السامية، سيرحمهم الله - تعالى - برحمته الواسعة، إنه - سبحانه - " عزيز " لا يعجزه شئ " حكيم " فى كل أفعاله وتصرفاته. قال صاحب الكشاف " والسين هنا مفيدة لوجود الرحمة، فهى تؤكد الوعد، كما تؤكد الوعيد كما فى قولك سأنتقم منك يوما، تعنى أنك لا تفوتنى وإن تباطأ ذلك، ونحوهإِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ ٱلرَّحْمَـٰنُ وُدّاً } ثم فصل - سبحانه - مظاهر رحمته للمؤمنين والمؤمنات أصحاب تلك الصفات السابقة فقال { وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ }. أى { وَعَدَ ٱللَّهُ } بفضله وكرمه { ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ } أى من تحت بساتينها وأشجارها وقصورها { خَالِدِينَ فِيهَا } فى تلك الجنات خلودا أبديا. ووعدهم كذلك " مساكن طيبة " أى منازل حسنة، تنشرح لها الصدور وتستطيبها النفوس. وقوله { فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ } أى فى جنات ثابته مستقرة.

السابقالتالي
2