الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ ٱلْمُنَافِقُونَ وَٱلْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِّن بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِٱلْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُواْ ٱللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } * { وَعَدَ الله الْمُنَافِقِينَ وَٱلْمُنَافِقَاتِ وَٱلْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ ٱللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ }

قال الإِمام الرازى اعلم أن هذا شرح لنوع آخر من أنواع فضائحهم وقبائحهم، والمقصود بيان أن إناثهم كذكورهم فى تلك الأعمال المنكرة، والأفعال الخبيثة فقال { ٱلْمُنَافِقُونَ وَٱلْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِّن بَعْضٍ } أى فى صفة النفاق، وذلك كما يقول إنسان لآخر أنت منى وأنا منك. أى أمرنا واحد لا مباينة فيه ولا مخالفة.. وقوله { يَأْمُرُونَ بِٱلْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمَعْرُوفِ } تفصيل لجانب من رذائلهم، ومن مسالكهم الخبيثة. أى يأمرون غيرهم بكل ما تستنكره الشرائع، وتستقبحه العقول، وينهونه عن كل أمر دعت إليه الأديان، وأحبته القلوب السليمة. وقوله { وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ } كناية عن بخلهم وشحهم، لأن الإِنسان السخى يبسط يده بالعطاء، بخلاف الممسك القتور فإنه يقبض يده عن ذلك. أى أن من صفات هؤلاء المنافقين أنهم بخلاء أشحاء عن بذل المال فى وجوهه المشروعة. وقوله { نَسُواْ ٱللَّهَ فَنَسِيَهُمْ } كناية عن رسوخهم فى الكفر، وانغماسهم فى كل ما يبعدهم عن الله - تعالى -. والمقصود بالنسيان هنا لازمه، وهو الترك والإِهمال لأن حقيقة النسيان محالة على الله - تعالى -، كما أن النسيان الحقيقى لا يذم صاحبه عليه لعدم التكليف به. أى تركوا طاعة الله وخشيته ومراقبته، فتركهم - سبحانه - وحرمهم من هدايته ورحمته وفضله. وقوله { إِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } تذييل قصد به المبالغة فى ذمهم. أى إن المنافقون هم الكاملون فى الخروج عن طاعة الله، وفى الانسلاخ عن فضائل الإِيمان، ومكارم الأخلاق. وقوله - سبحانه - { وَعَدَ الله الْمُنَافِقِينَ وَٱلْمُنَافِقَاتِ وَٱلْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ... } بيان لسوء مصيرهم، بعد بيان جانب من صفاتهم الذميمة. أى وعد الله - تعالى - المنافقين والمنافقات والكفار المجاهرين بكفرهم { نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا } خلوداً أبدياً. وقوله { هِيَ حَسْبُهُمْ } أى إن تلك العقوبة الشديدة كافية لإِهانتهم وإذلالهم بسبب فسوقهم عن أمر ربهم. وقوله { وَلَعَنَهُمُ ٱللَّهُ } أى طردهم وأبعدهم من رحمته ولطفه. وقوله { وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ } أى ولهم عذاب دائم لا ينقطع فهم فى الدنيا يعيشون فى عذاب القلق والحذر من أن يطلع المسلمون على نفاقهم، وفى الآخرة يذوقون العذاب الذى هو أشد وأبقى، بسبب إصرارهم على الكفر والفسوق والعصيان. وبذلك نرى الآيتين الكريمتين قد بينتا جانباً من قبائح المنافقين، ومن سوء مصيرهم فى عاجلتهم وآجلتهم. ثم ساقت السورة الكريمة - لهؤلاء المنافقين - نماذج لمن حبطت أعمالهم بسبب غرورهم، وضربت لهم الأمثال بمن هلك من الطغاة السابقين بسبب تكذيبهم لأنبيائهم، فقال - تعالى - { كَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ....أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ }.