الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يَحْذَرُ ٱلْمُنَافِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِم قُلِ ٱسْتَهْزِءُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُونَ } * { وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِٱللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِءُونَ } * { لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِن نَّعْفُ عَن طَآئِفَةٍ مِّنْكُمْ نُعَذِّبْ طَآئِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ }

قال صاحب المنار هذه الآيات فى بيان شأن آخر من شئون المنافقين التى كشفت سوأتهم فيها غزوة تبوك. أخرج ابن أبى شيبه وابن أبى حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد فى قوله - تعالى - { يَحْذَرُ ٱلْمُنَافِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ }. قال كانوا يقولون القول فيما بينهم ثم يقولون عسى أن لا يفشى علينا هذا. وعن قتادة قال كانت هذه السورة تسمى الفاضحة. فاضحة المنافقين، وكان يقال لها المنبئة. أنبأت بمثالبهم وعوراتهم. والضمير فى قوله { عَلَيْهِمْ } وفى قوله { تُنَبِّئُهُمْ } يعود على المنافقين. فيكون المعنى { يَحْذَرُ ٱلْمُنَافِقُونَ } ويخافون من { أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ } أى فى شأنهم وحالهم " سورة من سور القرآن الكريم " ، تنبئهم بما فى قلوبهم. أى تخبرهم بما انطوت عليه قلوبهم من أسرار خفية، ومن أقوال كانوا يتناقلونها فيما بينهم، ويحرصون على إخفائها عن المؤمنين. وفى التعبير بقوله { تُنَبِّئُهُمْ } مبالغة فى كون السورة مشتملة على أسرارهم، حتى أنها تعلم من أحوالهم الباطنة مالا يعلمونه هم عن أنفسهم، فتنبئهم بهذا الذى لا يعلمونه، وتنعى عليهم قبائحهم ورذائلهم. وتذيع على الناس ما كانوا يخشون ظهوره من أقوال ذميمة، وأفعال أثيمة. ومنهم من يرى أن الضمير فى قوله { عَلَيْهِمْ } وقوله { تُنَبِّئُهُمْ } يعود على المؤمنين، فيكون المعنى يحذر المنافقون ويخشون من أن تنزل على المؤمنين سورة تخبرهم بما فى قلوب المنافقين من أضغان وأحقاد وفسوق عن أمر الله. وقد ذكر هذين الوجهين صاحب الكشاف فقال والضمير فى " عليهم " و " تنبئهم " للمؤمنين، و " فى قلوبهم " للمنافقين. وصح ذلك لأن المعنى يقود إليه. ويجوز أن تكون الضمائر للمنافقين لأن السورة إذا نزلت فى معناهم - أى فى شأنهم وأحوالهم - فهى نازلة عليهم. ومعنى { تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِم } كأنها تقول لهم فى قلوبكم كيت وكيت يعنى أنها تذيع أسرارهم عليهم حتى يسمعوها مذاعة منتشرة فكأنها تخبرهم بها ". وقال الإِمام الرازى. فإن قيل المنافق كافر فكيف يحذر نزول الوحى على الرسول - صلى الله عليه وسلم -؟ قلنا فيه وجوه؟ قال أبو مسلم هذا حذر أظهره المنافقون على وجه الاستهزاء حين رأوا الرسول - صلى الله عليه وسلم - يذكر كل شئ، ويدعى أنه عن الوحى، وكان المنافقون يكذبون بذلك فيما بينهم، فأخبر الله رسوله بذلك، وأمره أن يعلمهم أنه يظهر سرهم الذى حذروا ظهوره، وفى قوله { قُلِ ٱسْتَهْزِءُوۤاْ } دلالة على ما قلناه. 2- أن القوم وإن كانوا كافرين بدين الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلا أنهم شاهدوا أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يخبرهم بما يضمرونه ويكتمونه، فلهذه التجربة وقع الحذر والخوف فى قلوبهم.

السابقالتالي
2 3 4