الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ ٱسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّىٰ يَسْمَعَ كَلاَمَ ٱللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُونَ }

وقوله استجارك، أى، طلب جوارك وحمايتك من الاعتداء عليه، وقد كان من الأخلاق الحميدة المتعارف عليها حماية الجار والدفاع عنه، حتى سمى النصير جارا، وعلى هذا المعنى جاء قوله. تعالىوَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لاَ غَالِبَ لَكُمُ ٱلْيَوْمَ مِنَ ٱلنَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ } أى نصير لكم. و { إِنْ } شرطية و { أَحَدٌ } مرفوع بفعل مضمر يفسره الفعل الظاهر وهو { ٱسْتَجَارَكَ } والمعنى وإن استأمنك - يا محمد - أحد من المشركين، وطلب جوارك وحمايتك بعد انقضاء مدة الأمان المحددة له، { فَأَجِرْهُ } أى فأمنه وأجبه إلى طلبه، { حَتَّىٰ يَسْمَعَ كَلاَمَ ٱللَّهِ } أى لكى يسمع كلام الله ويتدبره ويطلع على حقيقة ما تدعو إليه من تعاليم مقنعة للعقول السليمة بأن الشرك ظلم عظيم.. واقتصر على ذكر السماع لعدم الحاجة إلى شئ آخر فى الفهم، لأنهم من أهل الفصاحة والبلاغة، وقد كان سماع بعضهم لشئ من كلام الله سببا فى هدايته. وقوله { ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ } بيان لما يجب على المسلمين نحو هذا المشرك المستجير إذا ما استمع إلى كلام الله ثم بقى على شركه. أى عليك - يا محمد - أن تجيره حتى يسمع كلام الله ويتدبره ولا يبقى له عذر فى الاصرار على شركه، فإن آمن بعد سماعه صار من أتباعك، وإن بقى على شركه وأراد الرجوع إلى جماعته، فعليك أن تحافظ عليه حتى يصل إلى مكان أمنه واستقراره، وهو ديار قومه ثم بعد ذلك يصبح حكمه كحكم المصرين على الشرك، ويعامل بما يعاملون به. واسم الإِشارة فى قوله { ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُونَ } يعود إلى الأمر بالإِجارة وإبلاغ المأمن. أى ذلك الذى أمرناك به من إجارة المستجير من المشركين وإبلاغه مأمنه إذا لم يسلم، بسبب أنهم قوم لا يعلمون الإِسلام ولا حقيقة ما تدعوهم إليه أى قوم يحتاجون إلى فترة من الوقت يسمعون كلام الله فيها وهم آمنون، وبهذا السماع منك ومن أصحابك لا يبقى لهم عذر أصلا فى استمرارهم على الباطل. عن سعيد بن جبير قال جاء رجل من المشركين إلى على بن أبى طالب فقال إن أراد الرجل منا أن يأتى إلى محمد - صلى الله عليه وسلم - بعد انقضاء هذا الأجل لسماع كلام الله أولحاجة قتل؟ فقال له على لا، لأن الله يقول { وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ ٱسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّىٰ يَسْمَعَ كَلاَمَ ٱللَّهِ } الآية. هذا، ومن الأحكام والآداب التى أخذها العلماء من الآية ما يأتى 1- أن المستأمن لا يؤذى، بل يجب على المسلمين حمايته فى نفسه وماله وعرضه ما دام فى دار الإِسلام، وقد حذر الإِسلام أتباعه من الغدر أشد تحذير، ومن ذلك ما رواه البخارى والنسائى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال

السابقالتالي
2 3