الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَمِنْهُمْ مَّن يَلْمِزُكَ فِي ٱلصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُواْ مِنْهَا رَضُواْ وَإِن لَّمْ يُعْطَوْاْ مِنهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ } * { وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوْاْ مَآ آتَاهُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُواْ حَسْبُنَا ٱللَّهُ سَيُؤْتِينَا ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّآ إِلَى ٱللَّهِ رَاغِبُونَ }

قال الإِمام الرازى اعلم أن المقصود من هذا، شرح نوع آخر من قبائحهم وفضائحهم، وهو طعنهم فى الرسول - صلى الله عليه وسلم - بسبب أخذ الصدقات من الأغنياء، ويقولون إنه يؤثر بها من يشاء من أقاربه وأهل مودته، وينسبونه إلى أنه لا يراعى العدل. هذا، وقد ذكر المفسرون فى سبب نزول هاتين الآيتين روايات منها ما أخرجه البخارى والنسائى " عن أبى سعيد الخدرى - رضى الله عنه - قال بينما النبى - صلى الله عليه وسلم - يقسم قسما إذ جاءه ذو الخويصرة التميمى فقال اعدل يا رسول الله، فقال " ويلك! ومن يعدل إذا لم أعدل "؟ فقال عمر بن الخطاب - رضى الله عنه - ائذن لى فأضرب عنقه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " دعه فإن له أصحابا يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم فى الرمية.. ". قال أبو سعيد، فنزلت فيهم { وَمِنْهُمْ مَّن يَلْمِزُكَ فِي ٱلصَّدَقَاتِ.. }. وروى ابن مردويه " عن ابن مسعود - رضى الله عنه - قال " لما قسم النبى - صلى الله عليه وسلم - غنائم حين سمعت رجلا يقول إن هذه قسمة ما أريد بها وجه الله. فأتيت النبى - صلى الله عليه وسلم - فذكرت له ذلك فقال " رحمة الله على موسى، لقد أوذى بأكثر من هذا فصبر " ونزل { وَمِنْهُمْ مَّن يَلْمِزُكَ فِي ٱلصَّدَقَاتِ }. وقوله { يَلْمِزُكَ } أى يعيبك ويطعن عليك فى قسمة الصدقات وغيرها من الأموال، مأخوذ من اللمز وهو العيب. يقال لمزه وهمزه يلمزه ويهمزه إذا عابه وطعن عليه، ومنه قوله - تعالى -ويْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ } وقيل اللمز ما كان يحضره الملموز، والهمز ما كان فى غيابه. والمعنى ومن هؤلاء المنافقين - يا محمد - من يعيبك ويطعن عليك فى قسمة الصدقات والغنائم، زاعمين أنك لست عادلا فى قسمتك. وقوله { فَإِنْ أُعْطُواْ مِنْهَا رَضُواْ... } بيان لفساد لمزهم وطعنهم، وأن الدافع إليه إنما هو الطمع والشره فى حطام الدنيا، وليس الغضب من أجل إحقاق الحق أو من أجل نشر العدالة بين الناس. أى أن هؤلاء المنافقين إن أعطيتهم. يا محمد. من تلك الصدقات، رضوا عنك، وحكموا على هذا العطاء بأنه عدل حتى ولو كان ظلماً، وإن لم تعطهم منها سخطوا عليك، واتهموك بأنك غير عادل، حتى ولو كان عدم عطائهم هو الحق بعينه، فهم لا يقولون ما يقولونه فيك غضبا للعدل، ولا حماسة للحق، ولا غيرة على الدين.. وإنما يقولون ما يقولون من أجل مطامعهم الشخصية، ومنافعهم الذاتية.