الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَيَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنكُمْ وَمَا هُم مِّنكُمْ وَلَـٰكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ } * { لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَئاً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلاً لَّوَلَّوْاْ إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ }

أى أن هؤلاء المنافقين يحلفون بالله لكم - أيها المؤمنون - " إنهم لمنكم " أى فى الدين والملة، والحق أنهم ما هم منكم، لأنهم يظهرون الإِسلام ويخفون الكفر، فهم كما وصفهم - سبحانه - فى قولهإِذَا جَآءَكَ ٱلْمُنَافِقُونَ قَالُواْ نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَٱللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ ٱتَّخَذُوۤاْ أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ إِنَّهُمْ سَآءَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } وقوله { وَلَـٰكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ } استدراك للرد عليهم فيما قالوه وأقسموا عليه كذبا وزورا. وقوله { يَفْرَقُونَ } من الفرق، بمعنى الفزع الشديد من أمر يتوقع حصوله. يقال فرق فرقا إذا اشتد خوفه وهلعه. أى أن هؤلاء المنافقين لشدة خوفهم وهلعهم - أيها المؤمنون - يحلفون لكم كذبا وزورا بأنهم منكم، والحق أنهم ما هم منكم، ولكنهم قوم جبناء. لا يستطيعون مصارحتكم بالعداوة، ولا يجرؤون على مجابهتكم بما تخفيه قلوبهم لكم من بغضاء. وقوله - سبحانه - { لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَئاً أَوْ مَغَارَاتٍ... } تأكيد لما كان عليه أولئك المنافقون من جبن خالع. والملجأ اسم للمكان الذى يلجأ إليه الخائف ليحتمى به سواء أكان حصنا أو قلعة أو غيرهما. والمغارات جمع مغارة وهى المكان المنخفض فى الأرض أو فى الجبل. قال بعضهم والغور - يفتح الغين - من كل شئ قعره. يقال غار الرجل غورا إذا أتى الغور وهو المنخفض من الأرض. والمدخل - بتشديد الدال اسم للموضع الذى يدخلون فيه، بصعوبة ومشقة لضيقه، كالنفق فى الأرض. وقوله { يَجْمَحُونَ } أى يسرعون أشد الإِسراع مأخوذ من الجموح وهو أن يغلب الفرس صاحبه فى سيره وجريه. يقال جمح الفرس براكبه جموحا، إذا استعصى عليه حتى غلبه. والمعنى أن هؤلاء المنافقين لو يجدون حصنا يلتجئون إليه أو مغارات يستخفون فيها. أو سردابا فى الأرض ينجحرون فيه، لأقبلوا نحوه مسرعين أشد الإِسراع دون أن يردهم شئ، كالفرس الجموح الذى عجز صاحبه عن منعه من النفور والعَدْو. فالآية الكريمة تصوير معجز لما كان عليه أولئك المنافقون من خوف شديد من المؤمنين، ومن بغض دفين لهم، حتى إنهم لو وجدوا شيئا من هذه الأمكنة - التى هى منفور منها - لأسرعوا نحوها إسراعا شديداً. ثم تمضى السورة بعد ذلك فى الكشف عن الأقوال المنكرة، والأفعال القبيحة التى كانت تصدر عن المنافقين فتقول. { وَمِنْهُمْ مَّن يَلْمِزُكَ...إِلَى ٱللَّهِ رَاغِبُونَ }.