الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ قُلْ أَنفِقُواْ طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَّن يُتَقَبَّلَ مِنكُمْ إِنَّكُمْ كُنتُمْ قَوْماً فَاسِقِينَ } * { وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِٱللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلاَ يَأْتُونَ ٱلصَّلاَةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَىٰ وَلاَ يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ } * { فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَٰلُهُمْ وَلاَ أَوْلَـٰدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي ٱلْحَيَٰوةِ ٱلدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَٰفِرُونَ }

روى أن بعض المنافقين قال للنبى - صلى الله عليه وسلم - عندما دعاهم إلى الخروج معه إلى تبوك ائذن لى فى القعود وهذا مالى أعينك به، فنزل قوله - تعالى - { قُلْ أَنفِقُواْ طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَّن يُتَقَبَّلَ مِنكُمْ.. }. والمعنى قل يا محمد لهؤلاء أنفقوا ما شئتم من أموالكم فى وجوه الخير حالة كونكم طائعين، أى من غير إجبار أحد لكم، أو كارهين، أى بأن تجبروا على هذا الإِنفاق إجباراً، فلن يقبل منكم ذلك الإِنفاق. والكلام وإن كان قد جاء فى صورة الأمر، إلا أن المراد به الخبر وقد أشار إلى ذلك صاحب الكشاف بقوله. فإن قلت كيف أمرهم بالإِنفاق ثم قال { لَّن يُتَقَبَّلَ مِنكُمْ }؟ قلت هو أمر فى معنى الخبر، كقوله - تعالى -قُلْ مَن كَانَ فِي ٱلضَّلاَلَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ ٱلرَّحْمَـٰنُ مَدّاً } ومعناه لن يتقبل منكم أنفقتم طوعاً أو كرها، ونحوه قوله - تعالى -ٱسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ } وقول الشاعر
أسيئى بنا أو أحسنى لا ملومة لدينا ولا مقلية إن تقلت   
أى لن يغفر الله لهم، استغفرت لهم.. أم لم تستغفر لهم. ولا نلومك سواء أسأت إلينا أم أحسنت.. وجاء الكلام فى صورة الأمر، للمبالغة فى تساوى الأمرين، وعدم الاعتداد بنفقتهم سواء أقدموها عن طواعية أم عن كراهية. وقوله. { لَّن يُتَقَبَّلَ مِنكُمْ } بيان لثمرة إنفاقهم. أى لن يتقبل منكم ما أنفقتموه، ولن تنالوا عليه ثواباً. وقوله { إِنَّكُمْ كُنتُمْ قَوْماً فَاسِقِينَ } تعليل لعدم قبول نفقاتهم. أى لن تقبل منكم نفقاتكم بسبب عتوكم فى الكفر، وتمردكم على تعاليم الإِسلام وخروجكم عن الطاعة والاستقامة. قال القرطبى ما ملخصه. وفى الآية دليل على أن أفعال الكافر إذا كانت براً كصلة القرابة، وجبر الكسير، وإغاثة الملهوف، ولا يثاب عليها، ولا ينتفع بها فى الآخرة، بيد أنه يطعم بها فى الدنيا. دليله ما رواه مسلم " عن عائشة - رضى الله عنها - قالت قلت يا رسول الله، ابن جدعان كان فى الجاهلية يصل الرحم، ويطعم المسكين، فهل ذلك نافعه؟ قال لا ينفعه، إنه لم يقل يوما رب اغفر لى خطيئتى يوم الدين ". وروى عن أنس قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " إن الله لا يظلم مؤمناً حسنة يعطى بها فى الدنيا ويجزى بها فى الآخرة، وأما الكافر فيطعم بحسنات ما عمل لله بها فى الدنيا، حتى إذا أفضى إلى الآخرة لم يكن له حسنة يجزى بها ". وقال الجمل وهذه الآية وإن كانت خاصة فى إنفاق المنافقين، فهى عامة فى حق كل من أنفق ماله لغير وجه الله، بل أنفقه رياء وسمعة فإنه لا يقبل منه.

السابقالتالي
2 3 4