الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَمِنْهُمْ مَّن يَقُولُ ٱئْذَن لِّي وَلاَ تَفْتِنِّي أَلا فِي ٱلْفِتْنَةِ سَقَطُواْ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِٱلْكَافِرِينَ } * { إِن تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُواْ قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِن قَبْلُ وَيَتَوَلَّواْ وَّهُمْ فَرِحُونَ } * { قُل لَّن يُصِيبَنَآ إِلاَّ مَا كَتَبَ ٱللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلاَنَا وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ } * { قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَآ إِلاَّ إِحْدَى ٱلْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَن يُصِيبَكُمُ ٱللَّهُ بِعَذَابٍ مِّنْ عِندِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوۤاْ إِنَّا مَعَكُمْ مُّتَرَبِّصُونَ }

روى محمد بن إسحاق ويزيد بن رومان، وعبد الله بن أبى بكر، وعاصم بن قتادة وغيرهم قالوا " قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم وهو جهازه - أى لغزوة تبوك - للجد عن قيس أخى بنى سلمة " هل لك ياجد فى جلاد بنى الأصفر "؟ - يعنى الروم - فقال الجد يا رسول الله أو تأذن لى ولا تفتنى؟ فو الله لقد عرف قومى ما رجل أشد عجبا بالنساء منى، وإنى أخشى إن رأيت نساء بنى الأصفر ألا أصبر عنهن، فأعرض عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال قد أذنت لك ". ففى الجد بن قيس نزلت هذه الآية { وَمِنْهُمْ مَّن يَقُولُ ٱئْذَن لِّي وَلاَ تَفْتِنِّي }. أى ومن هؤلاء المنافقين الذين لم ينته الحديث عنهم بعد " من يقول " لك - يا محمد - " ائذن لى " فى القعود بالمدينة، " ولا تفتنى " أى ولا توقعنى فى المعصية والإِثم بسبب خروجى معك إلى تبوك، ومشاهدتى لنساء بنى الأصفر. وعبر - سبحانه - عن قول هذا المنافق بالفعل المضارع، لا ستحضار تلك الحال لغرابتها، فإن مثله فى نفاقه وفجوره لا يخشى إثم الافتتان بالنساء إذ لا يجد من دينه ما نعا من غشيان الشهوات الحرام. وقوله { أَلا فِي ٱلْفِتْنَةِ سَقَطُواْ } رد عليه فيما قال، وذم له على ما تفوه به. أى ألا إن هذا وأمثاله فى ذات الفتنة قد سقطوا، لافى أى شئ آخر مغاير لها. وبدأ - سبحانه - الجملة الكريمة بأداة التنبيه " ألا " ، لتأكيد الخبر، وتوجيه الأسماع إلى ما اشتمل عليه من توبيخ لهؤلاء المنافقين. وقدم الجار والمجرور على عامله للدلالة على الحصر. أى فيها لا فى غيرها قد سقطوا وهووا إلى قاع سحيق. قال الآلوسى وفى التعبير عن الافتتان بالسقوط فى الفتنة، تنزيل لها منزلة المهواة المهلكة المفصحة عن ترديدهم فى دركات الردى أسفل سافلين. وقال الفخرى الرازى ما ملخصه " وفيه تنبيه على أن القوم إنما اختاروا القعود لئلا يقعوا فى الفتنة، فالله - تعالى - بيّن أنهم فى عين الفتنة واقعون، لأن أعظم أنواع الفتنة الكفر بالله وبرسوله، والتمرد على قبول التكاليف التى كلفنا الله بها... ". وقوله { وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِٱلْكَافِرِينَ } وعيد وتهديد لهم على أقوالهم وأفعالهم. أى وإن جهنم لمحيطة بهؤلاء الكافرين بما جاء من عند الله، دون أن يكون لهم منها مهرب أو مفر. وعبر عن إحاطتها بهم باسم الفاعل الدال على الحال، لإِفادة تحقيق ذلك حتى لكأنه واقع مشاهد.

السابقالتالي
2 3