الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ فَإِذَا ٱنسَلَخَ ٱلأَشْهُرُ ٱلْحُرُمُ فَٱقْتُلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَٱحْصُرُوهُمْ وَٱقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَٰوةَ وَءَاتَوُاْ ٱلزَّكَٰوةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

وقوله { ٱنسَلَخَ } من السلخ بمعنى الكشط، يقال سلخ الإِهاب عن الشاة يسلخه ويسلخه سلخا إذا كشطه ونزعه عنها. أو بمعنى الإِخراج من قولهم سلخت الشاة عن الإِهاب إذا أخرجتها منه، ثم استعير للانقضاء والانتهاء فانسلاخ الأشهر إستعارة لانقضائها والخروج منها. قال الآلوسى والانسلاخ فيما نحن فيه استعارة حسنة، وذلك أن الزمان محيط بما فيه من الزمانيات مشتمل عليه اشتمال الجلد على الحيوان، وكذا كل جزء من أجزاءه الممتدة كالأيام والشهور والسنين، فإذا مضى فكأنه انسلخ عما فيه، وفى ذلك مزيد لطف لما فيه من التلويح بأن تلك الأشهر كانت حرزاً لأولئك المعاهدين عن غوائل أيدى المسلمين فنيط قتالهم بزوالها ". والمراد بالأشهر الحرم أشهر الأمان الأربعة التى سبق ذكرها فى قوله، تعالى،فَسِيحُواْ فِي ٱلأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ } وعليه فتكون أل فى قوله { ٱلأَشْهُرُ ٱلْحُرُمُ } للعهد الذكرى. وسميت حرما لأنه. سبحانه. جعلها فترة أمان للمشركين، ونهى المؤمنين عن التعرض لهم فيها. ووضع - سبحانه - المظهر موضع المضمر حيث لم يقل فإذا انسلخت، ليكون ذريعة إلى وصفها بالحرمة، تأكيداً لما ينبئ عنه إباحة السياحة من حرمة التعرض لهم، مع ما فيه من مزيد الاعتناء بشأنها. وقيل المراد بالأشهر الحرم هنا الأشهر المعروفة وهى رجب، وذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، روى ذلك عن ابن عباس والضحاك والباقر واختاره ابن جرير. قال ابن كثير وفيه نظر، والذى يظهر من حيث السياق ما ذهب إليه ابن عباس فى رواية العوفى عنه وبه قال مجاهد، وعمرو بن شعيب، وابن إسحاق، وقتادة والسدى وعبد الرحمن ابن زيد بن أسلم أن المراد بها أشهر التيسير الأربعة المنصوص عليها بقولهفَسِيحُواْ فِي ٱلأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ } ثم قال { فَإِذَا ٱنسَلَخَ ٱلأَشْهُرُ ٱلْحُرُمُ } أى إذا انقضت الأشهر الأربعة التى حرمنا عليكم فيها قتالهم، وأجلناهم فيها فحيثما وجدتموهم فاقتلوهم، لأن عود العهد على مذكور أولى من مقدر، ثم إن الأشهر الأربعة المحرمة سيأتى بيان حكمها فى آية أخرى وهى قوله - تعالى -إِنَّ عِدَّةَ ٱلشُّهُورِ عِندَ ٱللَّهِ ٱثْنَا عَشَرَ شَهْراً... } والمراد بالمشركين فى قوله { فَٱقْتُلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ } أولئك الخائنون الذين انتهت مدة الأمان لهم، أما الذين لم يخونوا ولهم عهود مؤقتة بمدة معينة فلا يحل للمسلمين قتالهم، إلا بعد انتهاء هذه المدة، كما سبق أن بينا قبل قليل تفسير قوله - تعالى -إِلاَّ ٱلَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظَاهِرُواْ عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّوۤاْ إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَىٰ مُدَّتِهِمْ... } والمعنى فإذا انتهت هذه الأشهر الأربعة التى جعلها مهلة للخائنين، فاقتلوا - أيها المؤمنون - أعداءكم المشركين { حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ } أى فى أى مكان تجدونهم فيه { وَخُذُوهُمْ } وهو كناية عن الأسر، وكانت العرب تعبر عن الأسير بالأخيذ، { وَٱحْصُرُوهُمْ } أى وامنعوهم من الخروج إذا كانت مصلحتكم فى ذلك { وَٱقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ } والمرصد الموضع الذى يقعد فيه للعدو لمراقبته، يقال رصدت الشئ أرصده رصدا ورصَدا إذا ترقبته.

السابقالتالي
2 3