الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَلَوْ أَرَادُواْ ٱلْخُرُوجَ لأَعَدُّواْ لَهُ عُدَّةً وَلَـٰكِن كَرِهَ ٱللَّهُ ٱنبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ ٱقْعُدُواْ مَعَ ٱلْقَاعِدِينَ } * { لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً ولأَوْضَعُواْ خِلاَلَكُمْ يَبْغُونَكُمُ ٱلْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِٱلظَّالِمِينَ } * { لَقَدِ ٱبْتَغَوُاْ ٱلْفِتْنَةَ مِن قَبْلُ وَقَلَّبُواْ لَكَ ٱلأُمُورَ حَتَّىٰ جَآءَ ٱلْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ ٱللَّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ }

وقوله { وَلَوْ أَرَادُواْ ٱلْخُرُوجَ.. } كلام مستأنف لبيان المزيد من رذائل المنافقين. أو معطوف على قوله - سبحانه - قبل ذلكلَوْ كَانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قَاصِداً لاَّتَّبَعُوكَ } وقوله { ٱنبِعَاثَهُمْ } أى نهوضهم وانطلاقهم للخروج بنشاط وهمة. من البعث وهو إثارة الإِنسان أو الحيوان وتوجيهه إلى الشئ بقوة وخفة. تقول بعثت البعير فانبعث إذا أثرته للقيام والسير بسرعة. وقوله " فثبطهم " أى فمنعهم وحبسهم، من التثبيط " وهو رد الإِنسان عن الفعل الذى هم به عن طريق تعويقه عنه ومنعه منه. يقال ثبطه تثبيطا، أى قعد به عن الأمر الذى يريده ومنعه منه بالتخذيل ونحوه. والمعنى ولو أراد هؤلاء المنافقون الخروج معك - يا محمد - إلى تبوك لأعدوا لهذا الخروج عدته اللازمة له من الزاد والراحلة، وغير ذلك من الأشياء التى لا يستغنى عنها المجاهد فى سفره الطويل، والتى كانت فى مقدورهم وطاقتهم. وقوله. { وَلَـٰكِن كَرِهَ ٱللَّهُ ٱنبِعَاثَهُمْ } استدراك على ما تقدم. أى ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدته، ولكنهم لم يريدوا ذلك، لأن الله - تعالى - كره خروجهم معك، فحبسهم عنه، لما يعلمه - سبحانه - من نفاقهم وقبح نواياهم، وإشاعتهم للسوء فى صفوف المؤمنين. قال صاحب الكشاف فإن قلت. كيف موقع حرف الاستدراك؟ قلت لما كان قوله { وَلَوْ أَرَادُواْ ٱلْخُرُوجَ } معطيا معنى نفى خروجهم واستعدادهم للغزو، قيل { وَلَـٰكِن كَرِهَ ٱللَّهُ ٱنبِعَاثَهُمْ } ، كأنه قيل ما خرجوا ولكن تثبطوا عن الخروج لكراهة انبعاثهم، كما تقول. ما أحسن إلى زيد ولكن أساء إلى. وقال الجمل. وهاهنا يتوجه سؤال، وهو أن خروج المنافقين مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إما أن يكون فيه مصلحة أو مفسدة، فإن كان فيه مصلحة فلم قال { وَلَـٰكِن كَرِهَ ٱللَّهُ ٱنبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ } وإن كان فيه مفسدة فلماذا عاتب نبيه - صلى الله عليه وسلم - فى إذنه لهم فى القعود؟ والجواب عن هذا السؤال أن خروجهم مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان فيه مفسدة عظيمة بدليل أنه - سبحانه - أخبر بتلك المفسدة بقوله { لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً }. بقى أن يقال. فلم عاتب الله نبيه بقولهلِمَ أَذِنتَ لَهُمْ } فنقول إنه - صلى الله عليه وسلم - اذن لهم قبل إتمام الفحص، وإكمال التدبير والتأمل فى حالهم، فلهذا السبب قال - تعالى -لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ } وقيل إنما عاتبه لأجل أنه أذن لهم قبل أن يوحى إليه فى أمرهم بالقعود. وقوله. { وَقِيلَ ٱقْعُدُواْ مَعَ ٱلْقَاعِدِينَ } تذييل المقصود منه ذمهم ووصفهم بالجبن الخالع، والهمة الساقطة، لأنهم بقعودهم هذا سيكونون مع النساء والصبيان والمرضى والمستضعفين الذين لا قدرة لهم على خوض المعارك والحروب.

السابقالتالي
2 3 4