الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ عَفَا ٱللَّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكَ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْ وَتَعْلَمَ ٱلْكَاذِبِينَ }

قال ابن كثير. قال مجاهد. نزلت هذه الآية فى أناس قالوا استأذنوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإن أذن لكم فاقعدوا. وإن لم يأذن لكم فاقعدوا. والعفو يطلق على التجاوز عن الذنب أو التقصير، كما يطلق على ترك المؤاخذة على عدم فعل الأولى والأفضل، وهو المراد هنا. والمعنى عفا الله عنك يا محمد، وتجاوز عن مؤاخذتك فيما فعلته مع هؤلاء المنافقين من سماحك لهم بالتخلف عن الجهاد معك فى غزوة تبوك، حين اعتذروا إليك بالأعذار الكاذبة، وكان الأولى بك أن تتريث وتتأنى فى السماح لهم بالتخلف، حتى يتبين لك الذين صدقوا فى اعتذارهم من الذين كذبوا فيه، فقد كانوا - إلا قليلا منهم - كاذبين فى معاذيرهم، وكانوا مصرين على القعود عن الجهاد حتى ولو لم تأذن لهم به. وقدم سبحانه. العفو على العتاب. وهو قوله { لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ } - للإِشارة إلى المكانة السامية التى له - صلى الله عليه وسلم - عند ربه. قال بعض العلماء هل سمعتم بعتاب أحسن من هذا؟ لقد خاطبه سبحانه بالعفو قبل أن يذكر المعفو عنه. وقال العلامة أبو السعود ما ملخصه وعبر - سبحانه - عن الفريق الأول بالموصول الذى صلته فعل دال على الحدوث، وعن الفريق الثانى باسم الفاعل المفيد للدوام، للإِيذان بأن ما ظهر من الأولين صدق حادث فى أمر خاص غير مصحح لنظمهم فى سلك الصادقين، وبأن ما صدر من الآخرين، وإن كان كذباً حادثاً متعلقاً بأمر خاص لكنه أمر جار على عادتهم المستمرة، ناشئ عن رسوخهم فى الكذب. وعبر عن ظهور الصدق بالتبين، وعما يتعلق بالكذب بالعلم، لما هو المشهور من أن مدلول الخبر هو الصدق، والكذب احتمال عقلى، فظهور صدق الخبر إنما هو تبين ذلك المدلول، وانقطاع احتمال نقيضه بعدما كان محتملا له احتمالا عقلياً، وأما كذبه فأمر حادث لا دلالة للخبر عليه فى الجملة حتى يكون ظهوره تبيناً له، بل نقيض لمدلوله. فما يتعلق به يكون علما مستأنفاً.. هذا، ومن الأمور التى تكلم عنها العلماء عند تفسيرهم لهذه الآية ما يأتى 1- أن النبى - صلى الله عليه وسلم - كان يحكم بمقتضى اجتهاده فى بعض الوقائع. وقد بسط القول فى هذه المسألة صاحب المنار فقال ما ملخصه وقد كان الإِذن المعاتب عليه اجتهاداً منه - صلى الله عليه وسلم - فيما لا نص فيه من الوحى، وهو جائز وواقع من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم. وليسوا بمعصومين من الخطأ فيه، وإنما العصمة المتفق عليها خاصة بتبليغ الوحى ببيانه والعمل به، فيستحيل على الرسول أن يكذب أو أن يخطئ فيها يبلغه عن ربه أو يخالفه بالعمل.

السابقالتالي
2 3