الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ لَوْ كَانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قَاصِداً لاَّتَّبَعُوكَ وَلَـٰكِن بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ ٱلشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ لَوِ ٱسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ }

قال الفخر الرازى هذه الآية نزلت فى المنافقين الذين تخلفوا عن غزوة تبوك والعرض. ما يعرض للانسان من منافع الدنيا وشهواتها. والسفر القاصد هو السفر القريب السهل الذى لا يصاحبه ما يؤدى إلى التعب الشديد. من القصد بمعنى التوسط والاعتدال فى الشئ. والشقة المسافة التى لا تقطع إلا بعد تكبد المشقة والتعب، فهى مأخوذة من المشقة وشدة العناء. قال القرطبى حكى أبوعبيدة وغيره أن الشقة السفر إلى أرض بعيدة. يقال منه شقة شاقة. والمراد بذلك كله غزوة تبوك.. والمعنى لو كان الذى دعوتهم إليه يا محمد، متاعاً من متع الحياة الدنيا، وسفراً سهلا قريباً، لاتبعوك فيما دعوتهم إليه، لأنه يوافق أهواءهم، ويشبع رغباتهم، ولكنهم حين عرفوا أن ما دعوتهم إليه هو الجهاد فى سبيل الله وما يصحبه من أسفار شاقة. وتضحيات جسيمة.. تعلَّلوا لك بالمعاذير الكاذبة، وتخلفوا عن الخروج معك، جبناً منهم، وحباً للراحة والسلام. وشبيه بهذه الآية من حيث المعنى، قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - فى شأن المتخلفين عن صلاة الجماعة " لو يعلم أحدهم أنه يجد عظماً سميناً، أو مرماتين حسنتين لشهد العشاء ". أى لو يعلم أحد هؤلاء المتخلفين عن صلاة العشاء فى جماعة، أنه يجد عند حضور صلاتها فى جماعة شيئاً من اللحم لحضرها. ثم حكى - سبحانه - ما سيقوله هؤلاء المنافقون بعد عودة المؤمنين من الجهاد فقال { وَسَيَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ لَوِ ٱسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ }. أى وسيحلف هؤلاء المنافقون بالله - كذباً وزوراً - قائلين. لو استطعنا أيها المؤمنون أن نخرج معكم للجهاد فى تبوك لخرجنا فاننا لم نتخلف عن الخروج معكم إلا مضطرين، فقد كانت لنا أعذارنا القاهرة التى حملتنا على التخلف!! وأتى - سبحانه - بالسين فى قوله { وَسَيَحْلِفُونَ } لأنه من قبيل الإِخبار بالغيب. فقد كان نزول هذه الآية قبل رجوعه - صلى الله عليه وسلم - من تبوك. وحلفهم هذا كان بعد رجوعه منها. قال الفخر الرازى قالوا الرسول - صلى الله عليه وسلم - أخبر عنهم أنهم سيحلفون، وهذا إخبار عن غيب يقع فى المستقبل، والأمر لما وقع كما أخبر كان هذا إخباراً عن الغيب فكان معجزاً. والمراد بالاستطاعة فى قوله { لَوِ ٱسْتَطَعْنَا } وجود وسائل للجهاد معهم، من زاد وعدة وقوة فى البدن وغير ذلك مما يستلزمه الجهاد فى سبيل الله. وقوله { لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ } ساد مسد جوابى القسم والشرط. ثم بين - سبحانه - سوء مصيرهم بسبب كذبهم ونفاقهم فقال { يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ }. أى. أن هؤلاء المتخلفين عن الجهاد يهلكون أنفسهم بسبب حلفهم الكاذب، وجرأتهم على الله. تعالى. فى اختلاق المعاذير الباطلة، مع أنه.

السابقالتالي
2