الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ ٱنفِرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱثَّاقَلْتُمْ إِلَى ٱلأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا مِنَ ٱلآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا فِي ٱلآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ } * { إِلاَّ تَنفِرُواْ يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } * { إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ ٱللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ ٱثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي ٱلْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلسُّفْلَىٰ وَكَلِمَةُ ٱللَّهِ هِيَ ٱلْعُلْيَا وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } * { ٱنْفِرُواْ خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ذٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ }

قال الإِمام ابن كثير هذا شروع فى عتاب فى عتاب من تخلف عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فى غزوة تبوك، حين طابت الثمار والظلال فى شدة الحر، وحمارة القيظ. وتبوك اسم لمكان معروف فى أقصى بلاد الشام من ناحية الجنوب، ويبعد عن المدينة المنور من الجهة الشمالية بحوالى ستمائة كيلو متر. وكانت غزوة تبوك فى شهر رجب من السنة التاسعة، وهى آخر غزوة لرسول الله، - صلى الله عليه وسلم -. وكان السبب فيها أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - بلغه أن الروم قد جمعوا له جموعا كثيرة على أطراف الشام، وأنهم يريدون أن يتجهوا إلى الجنوب لمهاجمة المدينة. فاستنفر - صلى الله عليه وسلم - الناس إلى قتال الروم، وكان - صلى الله عليه وسلم - قلما يخرج إلى غزوة إلا ورى بغيرها حتى يبقى الأمر سراً. ولكنه فى هذه الغزوة صرح للمسلمين بوجهته وهى قتال الروم، وذلك لبعد المسافة، وضيق الحال، وشدة الحر، وكثرة العدو. وقد لبى المؤمنون دعوة رسولهم - صلى الله عليه وسلم - لقتال الروم، وصبروا على الشدائد، والمتاعب وبذلوا الكثير من أموالهم، ولم يتخلف منهم إلا القليل. أما المنافقون وكثير من الأعراب، فقد تخلفوا عنها، وحرضوا غيرهم على ذلك، وحكت السورة. فى كثير من آياتها الآتية. ما كان منهم من جبن ومن تخذيل الناس عن القتال، ومن تحريض لهم على القعود وعدم الخروج. وبعد أن وصل الرسول - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنون إلى تبوك، لم يجدوا جموعا للروم. فأقاموا هناك بضع عشرة ليلة، ثم عادوا إلى المدينة. وقوله - سبحانه - { ٱنفِرُواْ } من النفر وهو التنقل بسرعة من مكان إلى مكان لسبب من الأسباب الداعية لذلك. يقال نفر فلان إلى الحرب ينفر وينفر نفراً ونفوراً، إذا خرج بسرعة ويقال استنفر الإِمام الناس، إذا حرضهم على الخروج للجهاد. ومنه قوله - صلى الله عليه وسلم - " وإذا استنفرتم فانفروا " أى وإذا دعاكم الإِمام إلى الخروج معه للجهاد فاخرجوا معه بدون تثاقل. واسم القوم الذين يخرجون للجهاد النفير والنفرة والنفر. ويقال نفر فلان من الشئ، إذا فزع منه، وأدبر عنه، ومنه قوله - تعالى -وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي ٱلْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْاْ عَلَىٰ أَدْبَارِهِمْ نُفُوراً } وقوله { ٱثَّاقَلْتُمْ } من الثقل ضد الخفة. يقال تثاقل فلان عن الشئ، إذا تباطأ عنه ولم يهتم به.. ويقال تثاقل القوم إذا لم ينهضوا لنجدة المستجير بهم. وأصل { ٱثَّاقَلْتُمْ } تثاقلتم، فأبدلت التاء ثاء ثم أدغمت فيها، ثم اجتلبت همزة الوصل من أجل التوصل للنطق بالساكن. والمعنى أيها الذين آمنوا بالله ورسوله، { مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ ٱنفِرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱثَّاقَلْتُمْ إِلَى ٱلأَرْضِ } أى ما الذى جعلكم تباطأتم عن الخروج إلى الجهاد، حين دعاكم رسولكم - صلى الله عليه وسلم - إلى قتال الروم، وإلى النهوض لإِعلاء كلمة الله، ونصرة دينه؟ وقد ناداهم - سبحانه - بصفة الإِيمان، لتحريك حرارة العقيدة فى قلوبهم، وتوجيه عقولهم إلى ما يستدعيه الإِيمان الصادق من طاعة لله ولرسوله.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9