الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِنَّ عِدَّةَ ٱلشُّهُورِ عِندَ ٱللَّهِ ٱثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ ٱللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ مِنْهَآ أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذٰلِكَ ٱلدِّينُ ٱلْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَآفَّةً وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلْمُتَّقِينَ } * { إِنَّمَا ٱلنَّسِيۤءُ زِيَادَةٌ فِي ٱلْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُحِلُّونَهُ عَاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عَاماً لِّيُوَاطِئُواْ عِدَّةَ مَا حَرَّمَ ٱللَّهُ فَيُحِلُّواْ مَا حَرَّمَ ٱللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوۤءُ أَعْمَالِهِمْ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْكَافِرِينَ }

قال صحاب المنار، هاتان الآيتان عود إلى الكلام فى أحوال المشركين، وما يشرع من معاملاتهم بعد الفتح، وسقوط عصبية الشرك، وكان الكلام قبل هاتين الآيتين - فى قتال أهل الكتاب وما يجب أن ينتهى به من إعطاء الجزية من قبيل الاستطراد، اقتضاه ما ذكر قبله من أحكام قتال المشركين ومعاملتهم، وقد ختم الكلام فى أهل الكتاب ببيان حال كثير من رجال الدين الذين أفسدت عليهم دينهم المطامع المالية، التى هى وسيلة العظمة الدنيوية والشهوات الحيوانية، وإنذارٍ من كانت هذه حالهم بالعذاب الشديد يوم القيامة وجعل هذا الإِنذار موجهاً إلينا وإليهم جميعاً.. " والعدة - فى قوله. إن عدة الشهور - على وزن فعله من العدد وهى بمعنى المعدود. قال الراغب العدة هى الشئ المعدود، قال - تعالىوَمَا جَعَلْنَآ أَصْحَابَ ٱلنَّارِ إِلاَّ مَلاَئِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ } أى وما جعلنا عددهم إلا فتنة للذين كفروا.. والشهور جمع شهر. والمراد بها هنا الشهور التى تتألف منها السنة القمرية وهى شهور. المحرم. وصفر. وربيع الأول.. الخ. وهذه الشهور عليها مدار الأحكام الشرعية، وبها يعتد المسلمون فى عبادتهم وأعيادهم وسائر أمورهم. والمراد بقوله { يَوْمَ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ } الوقت الذى خلقهما فيه، وهو ستة أيام كما جاء فى كثير من الآيات، ومن ذلك قوله - تعالى -إِنَّ رَبَّكُمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ } والمعنى إن عدد الشهور { عِندَ ٱللَّهِ } أى فى حكمه وقضائه { ٱثْنَا عَشَرَ شَهْراً } هى الشهور القمرية التى عليها يدور فلك الأحكام الشرعية. وقوله { فِي كِتَابِ ٱللَّهِ } ، أى فى اللوح المحفوظ. قال القرطبى وأعاده بعد أن قال { عِندَ ٱللَّهِ } لأن كثيراً من الأشياء يوصف بأنه عند الله، ولا يقال إنه مكتوب فى كتاب الله، كقولهإِنَّ ٱللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ ٱلسَّاعَةِ } وقيل معنى { فِي كِتَابِ ٱللَّهِ } أى فيما كتبه - سبحانه - وأثبته وأوجب على عباده العمل به منذ خلق السماوات والأرض. قال الجمل وقوله. { فِي كِتَابِ ٱللَّهِ } صفة لاثنى عشر، وقوله { يَوْمَ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ } متعلق بما تعلق به الظرف قبله من معنى الثبوت والاستقرار، أو بالكتاب، إن جعل مصدرا. والمعنى أن هذا أمر ثابت فى نفس الأمر منذ خلق الله الأجرام والأزمنة أى أن المقصود من هذه الآية الكريمة، بيان أن كون الشهور كذلك حكم أثبته - سبحانه - فى اللوح المحفوظ منذ أوجد هذا العالم، وبينه لأنبيائه على هذا الوضع.. فمن الواجب اتباع ترتيب الله لهذه الشهور، والتزام أحكامها ونبذ ما كان يفعله أهل الجاهلية من تقديم بعض الشهور أو تأخيرها أو الزيادة عليها، أو انتهاك حرمة المحرم منها.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7