الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ عُزَيْرٌ ٱبْنُ ٱللَّهِ وَقَالَتْ ٱلنَّصَارَى ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ ٱللَّهِ ذٰلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ ٱللَّهُ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ } * { ٱتَّخَذُوۤاْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ ٱللَّهِ وَٱلْمَسِيحَ ٱبْنَ مَرْيَمَ وَمَآ أُمِرُوۤاْ إِلاَّ لِيَعْبُدُوۤاْ إِلَـٰهاً وَاحِداً لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ } * { يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُواْ نُورَ ٱللَّهِ بِأَفْوَٰهِهِمْ وَيَأْبَىٰ ٱللَّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْكَٰفِرُونَ } * { هُوَ ٱلَّذِيۤ أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِٱلْهُدَىٰ وَدِينِ ٱلْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْمُشْرِكُونَ }

أخرج ابن جرير عن ابن عباس قال أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سلام بن مشكم، ونعمان بن أوفى. وشاس بن قيس، ومالك بن الصيف فقالوا كيف نتبعك - يا محمد - وقد تركت قبلتنا، وأنت لا تزعم أن عزيراً ابن الله، فأنزل الله فى ذلك { وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ عُزَيْرٌ ٱبْنُ ٱللَّهِ وَقَالَتْ ٱلنَّصَارَى ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ ٱللَّهِ.. } الآية. و " عزير " كاهن يهودى سكن بابل سنة 457 ق.م تقريباً، ومن أعامله أنه جمع أسفار التوراة وأدخل الأحرف الكلدانية عوضاً عن العبرانية القديمة، وألف أسفار الأيام، وعزرا، ونحميا. وقد قدسه اليهود من أجل نشره لكثير من علوم الشريعة، وأطلقوا عليه لقب " ابن الله ". قال البيضاوى وإنما قالوا ذلك - أى عزير ابن الله - لأنه لم يبق فيهم بعد وقعة " بختصر " - سنة 586 ق.م.ه من يحفظ التوارة. وهو لما أحياه الله بعد مائة عام أملى عليهم التوارة حفظاً فتعجبوا من ذلك وقالوا ما هذا إلا لأنه ابن الله. وقال صاحب المنار ما ملخصه جاء فى دائرة المعارف اليهودية الانكليزية - طبعة 1903 - أن عصر عزرا هو ربيع التاريخ الملى لليهودية الذى تفتحت فيه أزهاره، وعبق شذا ورده. وأنه جدير بأن يكون هو ناشر الشريعة.. " وقد ذكر المفسرون هنا أقوالاً متعددة فى الأسباب التى حملت اليهود على أن يقولوا " عزير ابن الله " وأغلب هذه الأقوال لا يؤيدها عقل أو نقل، ولذا فقد ضربنا عنها صفحا. وقد نسب - سبحانه - القول إلى جميع اليهود مع أن القائل بعضهم، لأن الذين لم يقولوا ذلك لم ينكروا على غيرهم قولهم، فكانوا مشاركين لهم فى الإِثم والضلال، وفيما يترتب على ذلك من عقاب. وأما قول النصارى " المسيح ابن الله " فهو شائع مشهور، ومن أسبابه أن الله - تعالى - قد خلق عيسى بدون أب على خلاف ما جرت به سنته فى التوالد والتناسل، فقالوا عنه " ابن الله ". وقد حاجهم - سبحانه - فى سورة آل عمران بأن آدم قد خلقه الله من غير أب أو أم، فكان أولى بنسبة البنوة إليه، لكنهم لم ينسبوا إليه ذلك، فينبغى أن يكون عيسى كآدم. قال - تعالى -إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ ٱللَّهِ كَمَثَلِ ءَادَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُنْ مِّن ٱلْمُمْتَرِينَ } وقوله { ذٰلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ } ذم لهم على ما نطقوا به من سوء يمجه العقل السليم، والفكر القويم. أى ذلك الذى قالوه فى شأن " عزير والمسيح " قول تلوكه ألسنتهم فى أفواههم بدون تعقل، ولا مستند لهم فيما زعموه سوى افترائهم واختلاقهم، فهو من الألفاظ الساقطة التى لا وزن لها ولا قيمة، فقد قامت الأدلة السمعية والعقلية على استحالة أن يكون لله ولد أو والد أو صاحبة أو شريك.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8