الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِنَّمَا ٱلْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ ٱلْمَسْجِدَ ٱلْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَـٰذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ إِن شَآءَ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }

وقوله { نَجَسٌ } بالتحريك - مصدر نجس الشئ ينجس فهو نجس إذا كان قذراً غير نظيف، وفعله من باب " تعب " وفى لغة من باب " قتل ". قال صاحب الكشاف النجس مصدر. يقال نجس نجسا وقذر قذرا، لأن معهم الشرك الذى هو بمنزلة النجس، ولأنهم لا يتطهرون ولا يغتسلون ولا يجتنبون النجاسات فهى ملابسة لهم. أو جعلوا كأنهم النجاسة بعينها، مبالغة فى وصفهم بها. قيل وجوز أن يكون لفظ " نجس " صفة مشبهة - وإليه ذهب الجوهرى ولا بد حينئذ من تقدير موصوف مفرد لفظاً مجموع معنى، ليصح الإِخبار به عن الجمع. أى جنس نجس ونحوه. وقوله { إِنَّمَا ٱلْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ } فيه ما فيه من التعبير البديع المصور المجسم لهم، حتى لكأنهم بأرواحهم وماهيتهم وكيانهم النجس يمشى على الأرض فيتحاشاه المتطهرون، ويتحاماه الأتقياء من الناس. وقوله { فَلاَ يَقْرَبُواْ ٱلْمَسْجِدَ ٱلْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَـٰذَا } تفريع على نجاستهم والمراد النهى عن الدخول إلا أنه عبر عنه بالنهى عن القرب مبالغة فى إبعادهم عن المسجد الحرام. والنهى وإن كان موجهاً إلى المشركين، إلا أن المقصود منه نهى المؤمنين عن تمكينهم من ذلك، والمراد بقوله { بَعْدَ عَامِهِمْ هَـٰذَا } العام الذى حصل فيه النداء بالبراءة من المشركين، وبعدم طوافهم بالمجسد الحرام.. وهو العام التاسع من الهجرة. قال ابن كثير أمر الله عباده المؤمنين الطاهرين ديناً وذاتاً بنفى المشركين الذين هم نجس دينا - عن المسجد الحرام، وأن لا يقربوه بعد نزول هذه الآية. وكان نزولها فى سنة تسع. ولهذا بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عليا صحبة أبى بكر رضى الله عنهما - عامئذ، وأمره أن ينادى فى المشركين أن لا يحج بعد هذا العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان. فأتم الله ذلك وحكم به شرعاً وقدراً. وقوله { وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ إِن شَآءَ } بشارة من الله تعالى للمؤمنين بأن سيعطيهم من فضله ما يغنيهم عن المشركين. والعيلة الفقر والفاقة يقال عال الرجل يعيل عيلة فهو عائل إذا افتقر، ومنه قول الشاعر
وما يدرى الفقير متى غناه وما يدرى الغنى متى يقيل   
وقرئ " عائلة " بمعنى المصدر كالعافية اسم فاعل صفة لموصوف مؤنث مقدر أى حالا عائلة. قال ابن جرير - بعد أن ساق روايات فى سبب نزول الآية - عن عطية العوفى قال لما قيل " ولا يحج بعد العام مشرك " قالوا قد كنا نصيب من بياعاتهم فى الموسم، قال فنزلت { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِنَّمَا ٱلْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ ٱلْمَسْجِدَ ٱلْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَـٰذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ.

السابقالتالي
2 3 4