الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ لَقَدْ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ ٱلأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ } * { ثُمَّ أَنَزلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا وَعذَّبَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَذٰلِكَ جَزَآءُ ٱلْكَافِرِينَ } * { ثُمَّ يَتُوبُ ٱللَّهُ مِن بَعْدِ ذٰلِكَ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

قال ابن كثير. هذه أول آية نزلت من براءة يذكر - تعالى - المؤمنين فضله عليهم وإحسانه لديهم فى نصره إياهم فى مواطن كثيرة من غزواتهم مع رسوله، وأن ذلك من عنده - تعالى - وبتأييده وتقديره لا بعددهم، ونبههم إلى أن النصر من عنده سواء قل الجمع أم كثر، فإنهم يوم حنين أعجبتهم كثرتهم ومع هذا ما أجدى ذلك عنهم شيئاً فولوا مدبرين إلا القليل منهم... ثم أنزل لله نصره على رسوله والمؤمنين. " وقد كانت واقعة حنين بعد فتح مكة فى شوال سنة ثمان من الهجرة وذلك أنه لما فرغ - صلى الله عليه وسلم - من فتح مكة، وتمهدت أمورها، وأسلم عامة أهلها، وأطلقهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم بلغه أن هوزان جمعوا له ليقاتلوه، معهم ثقيف بكمالها وبنو سعد بن بكر. فخرج إليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فى جيشه الذى جاء للفتح وهو عشرة آلاف من المهاجرين والأنصار وقبائل العرب، ومعه الذين أسلموا من أهل مكة وهم الطلقاء فى ألفين. فسار بهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى العدو، فالتقوا بواد بين مكة والطائف يقال له حنين، فكانت فيه الموقعة فى أول النهار فى غلس الصبح. انحدروا فى الوادي وقد كمنت فيه هوزان، فلما تواجهوا لم يشعر المسلمون إلا بهم قد بادروهم، ورشقوا بالنبال، وأصلتوا السيوف، وحملوا حملة رجل واحد.. فعند ذلك ولى المسلمون الأدبار، وثبت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وثبت معه من أصحابه قريب من مائة. ثم أمر - صلى الله عليه وسلم - عمه العباس - وكان جهير الصوت - أن ينادى بأعلى صوته يا أصحاب الشجرة - أى شجرة بيعة الرضوان التى بايعه المسلمون تحتها على أن لا يفروا عنه - فجعل ينادى بهم.. فجعلوا يقولون لبيك لبيك. وانعطف الناس فتراجعوا.. فأمرهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يصدقوا الحملة، وأخذ قبضة من تراب ثم رمى بها القوم، فما بقى إنسان منهم إلا أصابه منها فى عينيه وفمه ما شغله عن القتال، ثم انهزموا فاتبع المسلمون أقفاءهم يقتلون ويأسرون، وما تراجع بقية الناس إلا والأسرى مجندلة بين يدى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ". هذه خلاصة لغزوة حنين التى اجتمع فيها للمسلمين - للمرة الأولى - جيش تعداده اثنا عشر ألفاً، فلما أعجبتهم هذه الكثرة والقوة... أصيبوا بالهزيمة فى أو معركة... ليعلموا أن كثرتهم لن تغنى عنهم شيئاً إذا لم يكن عون الله معهم. فقوله - تعالى - { لَقَدْ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئاً } تذكير للمؤمنين ببعض نعم الله عليهم حتى يداوموا على طاعته ومحبته.

السابقالتالي
2 3 4